الاقتصادية

البنوك المركزية: نحو تغيير جوهري في دورها ومسؤولياتها في مواجهة التحديات الحديثة

شهدت البنوك المركزية في العصر الحديث تحولات هامة في أدوارها، خاصة في ضوء الأزمات الاقتصادية المستمرة التي واجهها العالم.

يُعالج إريك مونيه في كتابه “توازن القوى” هذا التحول، مُحذّرًا من تراجع الرقابة الديمقراطية على هذه المؤسسات الحيوية. يُبرز الكتاب ضرورة استعادة السيطرة الديمقراطية على البنوك المركزية للتعامل مع التحديات العالمية المتزايدة، مثل تفاقم الفوارق الاجتماعية والأزمة المناخية.

على مدار السنوات الماضية، شهدت البنوك المركزية توسعًا في مهامها، خاصة بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008. وبالرغم من زيادة صلاحيات هذه البنوك، فإن الأنظمة الديمقراطية لم تكن قادرة على ممارسة رقابة كافية على أدائها.

1be15500 2e20 4901 a1e2 65f1de369642 Detafour

و يرى مونيه أنه حان الوقت لإعادة تقييم استقلالية هذه المؤسسات، التي غالبًا ما تعمل بمعزل عن التأثير الحكومي.

كان يُعتقد سابقًا أن مهام البنوك المركزية تقتصر على إدارة معدلات التضخم والإشراف على النظام المالي. إلا أن الأزمات الاقتصادية الأخيرة، مثل أزمة 2008 وحرب أوكرانيا، أظهرت تغيرًا جذريًا في هذا الدور.

منذ التسعينيات، بدأت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة بتقليل تدخلاتها النقدية، خاصة بعد التخلي عن نظام أسعار الصرف الثابتة.

لكن مع اندلاع الأزمة المالية العالمية، اعتمدت البنوك سياسات “غير تقليدية”، مثل برامج شراء الأصول، التي أصبحت جزءًا أساسيًا من استراتيجياتها.

انتقد الكثيرون هذه السياسات، معتبرين أنها قد تتعارض مع مبدأ استقلالية البنوك المركزية.

في كتابه، يتناول مونيه التغيرات التي طرأت على سياسة البنوك المركزية بعد الأزمة المالية، مثل شراء الدين العام لدول في أوقات الأزمات.

كما يناقش سياسة الإقراض المُوجه، التي غيّرت من طرق توجيه الائتمان إلى القطاع الخاص، وهو ما يتناقض مع المبادئ التقليدية التي كانت تُمنع البنوك المركزية بموجبها من إقراض الحكومات بشكل مباشر.

و يتساءل مونيه عن مدى “استقلالية” البنوك المركزية، مشيرًا إلى أن استقلاليتها تعني في الغالب غياب الرقابة الديمقراطية.

و من خلال تحليله لسياسات تاريخية، يوضح مونيه كيف بدأت هذه البنوك في اتخاذ قرارات كبيرة تؤثر في السياسات الجيوسياسية، مثل شراء الديون العامة ودعم الاستقرار المالي في بعض الدول، دون وجود إشراف ديمقراطي كاف.

يتناول مونيه أيضًا دور البنوك المركزية في مواجهة الأزمة المناخية، مؤكدًا على ضرورة تكيّف هذه المؤسسات مع التحولات البيئية عبر التمويل الأخضر، للمساهمة في الحدّ من المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي بسبب التغيرات المناخية.

كما يُشدد الكتاب على ضرورة التنسيق بين السياسات المالية والنقدية لضمان عدم تعارضهما في مواجهة التحديات البيئية.

يركز مونيه على أن الحلول التي تقدمها البنوك المركزية وحدها، رغم أهميتها، لن تكون كافية لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية على المدى الطويل. فالنمو الاقتصادي المستمر، الذي كان يُعدّ معيار النجاح الرئيسي، أصبح اليوم أحد الأسباب الرئيسية للأزمات البيئية والاجتماعية.

Global Banking Update: Central Bank Movements and Global Developments

يركز مونيه على أهمية التحول الكامل للنظام الاقتصادي، ليأخذ في اعتباره التحديات البيئية والاجتماعية. ويقدم رؤية مستقبلية تتجاوز السياسات النقدية التقليدية نحو استراتيجيات تدعم التحول الأخضر، مع التأكيد على أهمية تبنّي استثمارات تُحافظ على البيئة ولا تساهم في تغيّر المناخ.

في الفصول الأخيرة من الكتاب، يناقش مونيه ضرورة مواكبة البنوك المركزية لهذا التحول من خلال تطوير أدوات مالية جديدة، مثل التمويل الأخضر وإعادة تمويل المشاريع المستدامة.

ويشدد على أهمية التنسيق مع السياسات الحكومية لتكون البنوك أكثر فعالية في مواجهة التحديات البيئية والاجتماعية.

في كتابه “توازن القوى”، يدعو مونيه إلى إعادة النظر في استراتيجيات البنوك المركزية وتوجيه سياساتها بما يتناسب مع التحديات الراهنة.

الاستقلالية يجب أن تكون في خدمة الأهداف الديمقراطية الكبرى، مثل تعزيز العدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية. وبالرغم من أهمية الإصلاحات في السياسات المالية والنقدية، يظل الأمل في إعادة تنظيم الاقتصادات على أساس قيم جديدة تعزز رفاه الأفراد وتحمي كوكب الأرض.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى