الأسواق في انتظار قرار الفيدرالي: الأسهم والقطاعات التي قد تستفيد من خفض الفائدة
خفض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة أصبح وشيكاً، وذلك بعد 11 مرة من رفعها منذ مارس 2020، وتثبيتها لبضعة مرات أخرى، وسط جدل حول حجم هذا الخفض هل سيكون بمقدار ربع نقطة مئوية أم نصف نقطة؟
خطوة الفيدرالي المتوقعة بخفض أسعار الفائدة التي جاءت بعد طول انتظار، ما هي إلا مجرد بداية من المنتظر أن تتبعها خطوات مماثلة خلال اجتماعاته المقبلة بعد أن زال خطر ارتفاع التضخم، وأصبح شبح الركود هو الغالب.
وتشير أحدث التوقعات إلى أن الفيدرالي سيقوم بثلاثة تخفيضات لأسعار الفائدة في عام 2024، مع المزيد من التخفيضات في عامي 2025 و2026، ورغم أن التضخم لا يزال أعلى من الهدف الذي فرضه بنك الاحتياطي الفيدرالي على نفسه وهو 2%، فقد أشار إلى نيته التخلي عن سياسة أسعار الفائدة المرتفعة بهدف تجنب الركود.
وخلال فترات التباطؤ الاقتصادي، غالباً ما يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية لتحفيز النشاط الاقتصادي، وتعتبر أسعار الفائدة المنخفضة بشكل عام محفزات للنمو، ما يجعل الاقتراض أرخص للمستهلكين والشركات، ويؤدي هذا الاقتراض المتزايد إلى ارتفاع أرباح الشركات، ونمو اقتصادي أكثر قوة، وارتفاع أسعار الأسهم.
ومع انخفاض أسعار الفائدة، يتساءل العديد من المستثمرين في البورصة كيف يضمن استفادة محفظته الاستثمارية من هذا الخفض، خاصة أن هناك بعض الاستثمارات قد تستفيد بشكل أكبر من هذا القرار، أو على الأقل الصمود بشكل أفضل من غيرها في ظل حركة السوق.
تأثيرات خفض أسعار الفائدة على الأسهم
على الرغم من أن تغيير أسعار الفائدة يستغرق عادة سنة واحدة على الأقل حتى يؤثر على الاقتصاد الأوسع، فإن سوق الأوراق المالية تتفاعل غالباً بشكل أسرع كثيراً، فالمستثمرون سريعون في ردود أفعالهم بشأن تغييرات الأسعار في المستقبل.
وتشجع أسعار الفائدة المنخفضة الاقتراض وتقلل من تكلفة الديون، وهو أمر يفيد عموماً أرباح الشركات، ما يحفز اهتمام المستثمرين ويدفع أسعار الأسهم إلى الارتفاع، وغالباً ما تشير أسعار الفائدة المرتفعة إلى التحول نحو أصول أكثر أماناً وتوليداً للدخل مثل السندات، التي يمكن أن تقدم عوائد أكثر جاذبية مقارنة بالأسهم الأكثر خطورة.
هناك شق سلبي وهو أن خفض أسعار الفائدة يرتبط بتباطؤ الاقتصاد، الذي قد يكون في النهاية أكثر تأثيراً على أرباح الشركات من تغييرات أسعار الفائدة، لكن هذا يؤكد أهمية الحفاظ على وجهة نظر استثمارية طويلة الأجل في تلك الحالة.
تفاؤل المستثمرين بصعود نشاط الاستثمار بالأسهم، وارتفاع أسعارها مرهون بتطور المناخ الاقتصادي في الأشهر المقبلة، الذي لا يزال غير مؤكد، إذا قد تتجه السوق نحو مسار النمو أو قد تسير في الاتجاه الآخر في حال تباطؤ الاقتصاد.
ويمكن أن تستفيد قطاعات اقتصادية معينة بشكل أكبر من انخفاض أسعار الفائدة، إذ إنه بشكل أساسي تشهد قطاعات السلع الاستهلاكية وتكنولوجيا المعلومات والمرافق والعقارات دفعة قوية متأثرة بانخفاض أسعار الفائدة.
الأسهم المستفيدة
غالباً ما تستفيد الشركات الصغيرة من خفض أسعار الفائدة، حيث تساعدها تكاليف الاقتراض المنخفضة في جمع رأس المال للمشاريع الجديدة وخفض تكاليف خدمة الديون.
ويرى “جوردان إيرفينج”، مدير المحفظة في جلينميد لإدارة الاستثمار في فيلادلفيا، سببين رئيسيين لحدوث هذا؛ أولهما، تحمل الشركات الصغيرة أعباء ديون أعلى من نظيراتها من الشركات الكبيرة، ومن شأن انخفاض الأسعار أن يخفف من هذا العبء ويسمح لهذه الشركات بتخصيص رأس المال لاحتياجات العمل بدلاً من خدمة الديون.
ويضيف أن السبب الثاني أنه عندما يحدث التسارع الاقتصادي الناجم عن خفض الفائدة، تميل الشركات الصغيرة إلى الاستفادة من هذا الأمر والقيادة في المراحل المبكرة من التعافي الاقتصادي.
أسهم شركات السلع الاستهلاكية التقديرية هي الأخرى من بين الأسهم المرجحة للصعود مدعومة بخفض أسعار الفائدة، إذ يؤدي خفض الأسعار إلى تعزيز إنفاق المستهلكين في هذه الشركات، على الرغم من أن الركود قد يفسد الأمر.
ويشمل قطاع السلع الاستهلاكية التقديرية السلع والخدمات غير الأساسية، وهي أشياء مثل السيارات وأنشطة الترفيه والأثاث والملابس المصممة، ومن بين شركات هذا القطاع أسهم أمازون وهوم ديبوت.
وفي هذا الإطار يقول “جيف سيكينجر”، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة نارب للبرمجيات التجارية ومقرها ميامي: “إذا بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة، فقد يكون هذا القطاع مجالاً مقنعاً للاستثمار فيه”.
وتؤدي أسعار الفائدة المنخفضة إلى خفض تكاليف الاقتراض الجديدة وتكاليف الديون الحالية ذات الأسعار المتغيرة، وغالباً ما يشجع هذان العاملان المستهلكين على زيادة مشترياتهم التقديرية، وينطبق هذا بشكل خاص على الأسر التي اقتصرت مؤخراً على المشتريات الضرورية.
أسهم القطاع المالي
يحتل القطاع المالي وضعاً غير عادي، حيث يمكنه الاستفادة من ارتفاع وانخفاض أسعار الفائدة، فقد أدت بيئة أسعار الفائدة المرتفعة في السنوات القليلة الماضية إلى زيادة صافي دخل الفائدة لدى البنوك، وتمكنت البنوك من الاستفادة من الفارق بين العائد من استثماراتها الخاصة والأسعار التي تفرضها على العملاء.
ومع ذلك، فإنه مع انخفاض أسعار الفائدة، يمكن للبنوك والمؤسسات المالية الأخرى الاستفادة من انتعاش أنشطة الإقراض وإعادة التمويل.
وحالياً، يتراوح سعر الفائدة المستهدف على الأموال الفيدرالية بين 5.25 و5.5%، وهذا هو النطاق الذي يمكن للبنوك الاقتراض عنده من بنوك أخرى.
ولكن العديد من البنوك تقدم أسعاراً أقل من تلك على شهادات الإيداع، حيث إنه من الأرخص الاقتراض من عملائها بدلاً من البنوك الأخرى.
كما أن الشركات التي تمتلك أصولاً في العملات المشفرة مثل أسهم كوينبيز جلوبال ومايكروستراتجي، بالإضافة إلى صناديق الاستثمار المتداولة في تلك العملات، لديها فرصة كبيرة لارتفاع الأسهم.
إذ تقلل الأسعار المنخفضة من جاذبية المدخرات الأخرى واستثمارات الدخل الثابت، ما يدفع المستثمرين للمخاطرة في قطاعات مثل شراء العملات المشفرة بغرض الحصول على عوائد أعلى محتملة، وبالتالي ارتفاع أسعار تلك العملات.
أسهم التكنولوجيا والعقارات
ومن بين القطاعات التي من المرجح أن تستفيد أسهمها قطاع تكنولوجيا المعلومات، ويشمل الشركات التي تصمم برامج الكمبيوتر والأجهزة والمنتجات والخدمات الأخرى التي تعتمد على التكنولوجيا.
وتعد تكنولوجيا المعلومات قطاعاً كثيف رأس المال، حيث يجب على الشركات الابتكار باستمرار لتظل قادرة على المنافسة، ما يتطلب استثماراً مستمراً في البحث والتطوير بالإضافة إلى مبادرات الاستحواذ والتوسع الأخرى، وتوفر أسعار الفائدة المنخفضة تمويلاً أرخص لتلك الأنشطة.
المستفيدون الكبار هم أسهم التكنولوجيا ذات القيمة السوقية المتوسطة وأسهم التكنولوجيا ذات أرصدة الديون المرتفعة، بينما ستشهد أكبر شركات التكنولوجيا وتلك التي لديها ميزانيات عمومية متحفظة، مثل أبل ومايكروسوفت، فائدة أقل.
في حين قد تشهد شركات التكنولوجيا العملاقة التي تحتفظ باحتياطيات نقدية ضخمة مثل ألفابت، عوائد متناقصة على تلك الأموال مع انخفاض أسعار الفائدة.
وقادت الأسهم السبعة الكبار أو المميزة، وهي أبل ومايكروسوفت وألفابت وأمازون وانفيديا وميتا بلاتفورمز وتسلا، الارتفاع في سوق وول ستريت خلال عام 2023، رغم ارتفاع أسعار الفائدة، في حين تمكن فقط كل من سهمي نفيديا وميتا من البقاء بين أكبر الرابحين حتى الآن في عام 2024.
أسهم قطاع العقارات أيضاً من بين الأسهم المستفيدة، فبعد تقرير الوظائف المخيب للآمال في يوليو الماضي الذي دفع المستثمرين إلى الاعتقاد بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يخفض أسعار الفائدة أكثر من المتوقع، كان قطاع العقارات أحد الرابحين القلائل، لينضم إلى قطاعي المرافق والسلع الاستهلاكية الأساسية، وكلاهما يعتبر ضمن ما يعرف بالقطاعات الدفاعية.
ويستفيد قطاع العقارات من خفض أسعار الفائدة، إذ إن انخفاض تكاليف الاقتراض يجعل الرهن العقاري أكثر جذباً، ما يؤدي إلى زيادة الطلب على العقارات التجارية والسكنية، وتعزيز مبيعات المساكن وزيادة ربحية الاستثمارات العقارية.
ونتيجة لذلك، يمكن لشركات العقارات زيادة نشاطها الاستثماري وتنمية محافظها الاستثمارية، وهذا يمنحها المزيد من المخزون لتأجيره للعملاء، وغالباً ما تكون النتيجة النهائية هي نمو المبيعات والأرباح.
3 استراتيجيات لحماية استثماراتك بالأسهم
العلاقة بين سعر الفائدة وتحركات سوق الأوراق المالية قد تكون أكثر تعقيداً مما تبدو عليه الأمور، فخفض الفائدة قد يكون مفيداً للأسهم لكن تباطؤ الاقتصاد، الذي يكون في الأغلب الدافع وراء خفض سعر الفائدة، هو المحرك الأقوى، وفي حين أن هناك أملاً أن تؤدي أسعار الفائدة المنخفضة إلى عكس هذا التباطؤ، لكنه في نهاية المطاف لا شيء مؤكد في المسائل الاقتصادية.
وكمستثمر في سوق الأسهم من الذكاء أن تعترف بهذا الغموض وتديره، لذا فإن هناك ثلاث استراتيجيات لمواجهة هذا الأمر، أولها تنويع أصولك، أو كما يقولون لا تضع “كل البيض في سلة واحدة”، فبدلاً من الاحتفاظ بأصول تتحرك في اتجاه واحد، قم ببناء محفظتك من الأصول التي لديها اتجاهات مختلفة، واستمر في الاستثمار في الأسهم التي تمثل قطاعات وأحجام شركات وجغرافيات مختلفة.
الاستراتيجية الثانية هي الاحتفاظ برؤية طويلة الأجل، حيث يضمن هذا النهج إدارة محفظة الأسهم الخاصة بك بما يمكّنك من الانتظار حتى تنتهي أي فترات ركود، وتعتمد تلك الاستراتيجية على عنصرين رئيسيين، الأول هو الاستثمار فقط في الشركات الجيدة التي تتمتع بالقدرة على البقاء، والثاني الاحتفاظ برصيد نقدي قوي في متناول اليد لتغطية حالات الطوارئ دون الحاجة للجوء إلى بيع جزء من محفظتك الاستثمارية.
الاستراتيجية الثالثة هي مراقبة المؤشرات الاقتصادية، ففي ظل نهج الاستثمار طويل الأجل، لن تقوم بإصلاح محفظتك مع كل علامة على تغير الاقتصاد. ومع ذلك، فإن ارتفاع وانخفاض المؤشرات الاقتصادية من شأنه أن يوجه بعض قراراتك المالية.
ومن بين المؤشرات الاقتصادية الرئيسية التي يجب على المستثمر مراقبتها الناتج المحلي الإجمالي الذي يشير إلى حركة الاقتصاد بالدولة، وأيضاً معدلات البطالة والتشغيل والتي تعكس نشاط الشركات، بالإضافة إلى مؤشر أسعار المستهلك أو التضخم الذي يؤثر بشكل كبير على قرارات البنوك المركزية في ما يتعلق بأسعار الفائدة.