الأدوية في المغرب: بين احتكار الشركات وارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية
على الرغم من إعلان وزارة الصحة والحماية الاجتماعية سابقا عن تخفيض أسعار حوالي 4500 دواء أصيل وجنيس، نتيجة إعفائها من الضريبة على القيمة المضافة، إلا أن عدم توفر العديد من الأدوية لا يزال يشكل مشكلة حقيقية للمواطنين.
و منذ صدور التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات في مارس 2023، والذي رصد مجموعة من الاختلالات في إدارة منظومة الأدوية بالمغرب، بدأت النقاشات تتصاعد حول هذه القضية.
أشار التقرير إلى وجود احتكار لـ 25% من الأدوية، مما يقوض مبدأ العرض والطلب، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الضريبة على القيمة المضافة وهوامش ربح الصيدليات.
في هذا السياق، قال رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، إن هناك توافقًا بين العديد من المؤسسات، بما في ذلك البرلمان المغربي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان ومجلس المنافسة، على أن أسعار الأدوية مرتفعة جدًا مقارنة بدول تشبه المغرب اقتصاديًا.
وأشار لطفي إلى أن تخفيض أسعار بعض الأدوية من قبل وزارة الصحة ما هو إلا “ذر الرماد في العيون”، حيث إن الأدوية التي يتم تخفيض أسعارها غالبًا ما تكون تلك التي لا تُستخدم بشكل كبير أو لا تُوصف من قبل الأطباء، في حين تتعرض أدوية أخرى لضغوط من شركات الاستيراد لرفع أسعارها.
على سبيل المثال، يُباع دواء التهاب الكبد الفيروسي في مصر بـ 800 درهم، بينما يتراوح سعره في المغرب بين 3000 و6000 درهم، مما يعني زيادة تصل إلى 650%.
كما يعاني مرضى السرطان في المغرب من أسعار أدوية تتراوح بين 20 و30 ألف درهم، في حين أن أدوية السكري تشهد فرق أسعار يتراوح بين 250 و300% مقارنة بفرنسا وبلجيكا.
وشدد لطفي على ضرورة إعادة النظر في المرسوم الذي يحدد أسعار الأدوية في المغرب، والذي وضع المغرب في مقارنة مع دول لا تعكس ظروفه الاقتصادية وقدرة المواطنين الشرائية. يتعلق الأمر بالمرسوم رقم 2.13.852 الصادر في 2013، الذي يحدد كيفية تحديد أسعار الأدوية مقارنة مع ست دول أخرى، منها فرنسا وبلجيكا وتركيا والسعودية وإسبانيا والبرتغال.
الإعفاء الضريبي وتداعياته
ابتداءً من 1 يناير 2024، دخل قرار وزير الصحة بالحكومة، المتعلق بمراجعة أسعار بيع الأدوية، حيز التنفيذ، مع توسيع نطاق الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة ليشمل جميع الأدوية والمواد الأولية. واعتبر لطفي أن هذا القرار خطوة إيجابية، لكن ليس كافيًا، حيث لا تزال الشركات تفرض أسعارًا مرتفعة تفوق تلك المتداولة في أوروبا.
يؤكد لطفي أن بعض الشركات تستغل الإعفاء الضريبي لتوسيع هوامش أرباحها، مما لا يعود بالنفع على المواطنين. كما أشار الدكتور هشام الخرمودي، الصيدلاني السابق في وزارة الصحة، إلى أن ارتفاع أسعار الأدوية ليس فقط نتيجة للأسعار مقارنةً بدول أخرى، بل يرتبط أيضًا بتدهور القدرة الشرائية للمواطن.
وأفاد الخرمودي أن المرسوم الصادر في 2013 ساهم في تقليص الأسعار من خلال تحديد هوامش الربح، إلا أن هذه الهوامش لا تزال مرتفعة مقارنةً بالدول الأخرى. وتُعتبر الأدوية التي تملك هوامش ربح كبيرة، مثل أدوية الأمراض المزمنة، الأكثر تكلفة.
و تُعتبر الأدوية الجنيسة خيارًا محتملاً للتخفيف من حدة ارتفاع الأسعار في المغرب، حيث تمثل حوالي 34% من السوق الدوائي، مقارنةً بنسب تصل إلى 80% في دول مثل فرنسا والولايات المتحدة.
وعلى الرغم من فعالية الأدوية الجنيسة، لا يزال الإقبال عليها ضعيفًا، ويرجع ذلك إلى الشائعات والمعلومات المغلوطة التي تروجها شركات الأدوية الأصلية.
يجب على المغرب اتباع سياسة دوائية تحفيزية تشجع على صناعة الأدوية الجنيسة، مع تقديم حوافز للأطباء والصيادلة لتشجيعهم على وصفها. كما ينبغي تطوير المصانع المغربية لضمان توافر الأدوية الجنيسة بأسعار معقولة.
في الختام، يستدعي الوضع الراهن في قطاع الأدوية بالمغرب جهودًا جادة لإصلاح السياسات الدوائية والتسعيرية، لضمان وصول المواطنين إلى الأدوية بأسعار معقولة تتناسب مع قدراتهم الشرائية.