أموال مجانية دون قيود .. ماذا حدث عندما منح سام ألتمان أفراداً دخلاً شهرياً قدره 1000 دولار على مدار 3 سنوات؟
يرتكز مفهوم الدخل الأساسي الشامل أو المضمون – المعروف اختصارًا بـ “يو بي آي” –على حصول كل مواطن بالغ على مبلغ محدد من المال بصورة منتظمة بهدف التخفيف من حدة الفقر، وهو ما اكتسب زخمًا في الآونة الأخيرة.
وتعود فكرة توفير دخل أساسي للجميع إلى قرون مضت، إذ ذكرها الفيلسوف “توماس مور” في أشهر أعماله “يوتوبيا”.
ويرى “جيفري هينتون” عالم الكمبيوتر الذي يعتبر “الأب الروحي للذكاء الاصطناعي” أن الحكومات يتعين عليها تقديم دخل أساسي عالمي لمواجهة تأثير الذكاء الاصطناعي على عدم المساواة.
وأوضح “هينتون” لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”: الدخل الأساسي الشامل فكرة جيدة، وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي سيزيد الإنتاجية والثروة، إلا أن تلك الأموال ستتوجه نحو الأغنياء وليس من فقدوا وظائفهم، وسيكون ذلك أمر سيئ بالنسبة للمجتمع.
وكان الملياردير “سام ألتمان” المدير التنفيذي لشركة “أوبن إيه آي” – مطورة روبوت الدردشة المدعوم بالذكاء الاصطناعي “شات جي بي تي” – من دعاة فكرة الدخل الأساسي الشامل من أجل مستقبل يستولى فيه الذكاء الاصطناعي على الوظائف.
إلى جانب دعم العديد من قادة قطاع التكنولوجيا الآخرين منهم “إيلون ماسك” و”جاك دورسي” لفكرة تقديم المدفوعات النقدية دون قيود كعلاج محتمل للآثار السلبية للتكنولوجيا التي تعمل على أتمتة الوظائف.
الدراسة الأكبر في أمريكا
مول “ألتمان” – البالغ من العمر 39 عامًا – أكبر دراسة أجريت في الولايات المتحدة حتى الآن لمفهوم الدخل الأساسي العالمي.
وذلك عن طريق عمل منظمته غير الهادفة للربح “أوبن ريسيرش” مع الباحثين لمنح الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر مدفوعات نقدية غير مشروطة على مدار ثلاث سنوات.
وشارك في الدراسة 3 آلاف شخص في تكساس وإلينوي تتراوح أعمارهم بين 21 و40 عامًا تم اختيارهم بشكل عشوائي، وحصلوا على أقل من 30 ألف دولار سنويًا، إذ حصل ثلث هؤلاء المشاركين على مبلغ 1000 دولار شهريًا (وأسماهم مجموعة المتلقين)، بينما تم منح المجموعة الأخرى (المجموعة الضابطة) 50 دولارًا.
وكان الهدف من التجربة هو معرفة كيف يمكن أن تتغير حياة الأشخاص إذا حصلوا على أموال مجانية وأنفقوها دون قيود أو شروط.
نتائج الدراسة
وجدت الدراسة أن المستفيدين من الشيكات الأكبر كان لديهم مرونة أعلى في البحث عن الوظائف التي يريدونها بالفعل، وكتب مؤلفو الدراسة: يمكن للنقود أن تزيد من قدرة الأشخاص على اتخاذ قرارات التوظيف التي تتوافق مع ظروفهم وأهدافهم وقيمهم الفردية.
وأوضح أحد المشاركين في الدراسة: لست مضطرًا للعمل بوظيفة سيئة فقط لأنني بحاجة إلى الدخل الآن، بل لدي فرصة لمحاولة العثور على العمل المناسب.
ولم تجد الدراسة أي اختلاف كبير في مستويات التوظيف بين أولئك الذين تلقوا مدفوعات أكبر والمجموعة الضابطة.
عززت مجموعة المتلقين إنفاقها على الاحتياجات الأساسية مع توجه أغلبه إلى الغذاء والسكن والنقل، كما ساعدتهم المدفوعات على دفع تكاليف الاحتياجات الصحية مثل تقويم الأسنان.
كما زاد أيضًا الإنفاق الخيري أو الأموال الموجهة لمساعدة الآخرين عند تلقي التحويلات النقدية من الدخل الأساسي الشامل.
تجربة سابقة
وبالطبع هذه ليست التجربة الأولى في العالم لمفهوم الدخل الأساسي الشامل، ففي كينيا حصل حوالي 6000 مستفيد في تجربة بدأت في 2017 واستمرت 12 عامًا ومولتها المنظمة الخيرية التي يقع مقرها في أمريكا “جيف دايركتلي” على 75 سنتًا يوميًا وهو مبلغ ليس كبيرًا ولكنه كافياً ليصبح الأفراد أقل عرضة لمواجهة انعدام الأمن الغذائي، وتلقى آخرون دفعات لمدة عامين فقط انتهت في ديسمبر 2019.
وفي أوائل 2020 ظهر فيروس “كورونا” وهو ما دفع حكومات منها كينيا لفرض عمليات إغلاق قاسية من أجل الحد من انتشار المرض، ولكن كان لذلك أيضًا آثار مدمرة على الاقتصاد.
ووجد الباحثون أن حتى الدخل الأساسي الشامل الصغير للغاية يمكن أن يساعد حقًا في الأزمات، لأن عمليات الإغلاق في كينيا كانت صعبة على المجتمعات الريفية مثل تلك التي شملتها الدراسة والتي كانت فقيرة للغاية بالفعل، إذ وجدت الدراسة أن المتلقين للدخل كانوا أقل احتمالاً للإبلاغ عن تعرضهم للجوع بنسبة تتراوح بين 4.9% إلى 10.8%، كما كانوا أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب.
التجربة بين المعارضين والمؤيدين
على الرغم من أن فكرة تقديم دخل أساسي شامل أو عالمي تحظى بالكثير من الدعم إلا أن هناك ناقدين لها، إذ يرى البعض أنها ستقلل من الرغبة في العمل، وأشار آخرون إلى أنها قد تزيد من عدم المساواة.
وذكرت “إيفا فيفالت” الأستاذة المساعدة في الاقتصاد بجامعة “تورنتو” وأحد الباحثين في دراسة “أوبن ريسيرش”: لاحظنا انخفاضات معتدلة في المعروض من العمالة، ومن وجهة نظر خبير اقتصادي، فإن هذا تأثير معتدل.
ولا ترى “فيفالت” أن الانخفاض في عدد الساعات التي يقضيها الأفراد في العمل نتيجة سلبية للتجربة، بل على العكس من ذلك.
بمعنى آخر، أعطت التحويلات النقدية للمتلقين مزيدًا من الاستقلالية بشأن كيفية قضاء وقتهم، وبالتالي فإن يحسن بالضرورة رفاهيتهم.