أزمة في المطبخ الياباني نتيجة نقص الأرز
تواجه اليابان أسوأ حالة نقص في الأرز -الذي يلعب دورًا رئيسيًا في المطبخ الياباني- منذ عقود ما أدى إلى إفراغ أرفف متاجر السوبر ماركت مع تجاوز الطلب للإنتاج في السنوات الثلاثة الماضية، كما استنزفت المخزونات حتى وصلت لأدنى مستوياتها في أكثر من 20 عامًا.
وفي غشت ، تزايد الطلب على الأرز مع سعي المستهلكين لشراء كميات أكثر من المعتادة استعدادًا للكوارث الطبيعية المحتملة خلال موسم الأعاصير في اليابان، وخاصة عقب تحذير من زلزال كبير.
ووصل سعر تداول الأرز -الذي يعد عنصرًا أساسيًا في العديد من الأطباق اليابانية الشهيرة- في البلاد إلى أعلى مستوياته منذ 30 عامًا، ونفدت مخزونات تجار الجملة حتى أن بعض المتاجر الكبرى رفعت الأسعار بصورة أكبر ووضعت حد للمشتريات عند كيس أرز واحد لكل شخص.
وأصبح سعر أكياس الأرز اليابانية التي يبلغ وزنها 5 كيلوجرامات حوالي 3000 ين (20.9 دولار أمريكي)، أي أعلى من سعر العام الماضي بحوالي 60%.
بمنظور أوسع، ارتفع معدل التضخم الرئيسي في اليابان خلال غشت بنسبة 2.8% على أساس سنوي، مع زيادة أسعار الأرز التي كانت من أكبر المحركات في سلة الغذاء إلى جانب الشوكولاتة.
إنتاج البلاد من الأزر
يعد الأرز الغذاء الأساسي في اليابان، ويشكل إنتاجه المحلي -حيث يتم زراعته في كافة أنحاء البلاد- ما يقرب من 100% من الاستهلاك.
منذ أواخر الستينيات، اتبع إنتاج الأرز اتجاهًا تنازليًا بسبب عوامل منها شيخوخة السكان الزراعيين والسياسات الحكومية التي توفر حوافز لمن يزرعون محاصيل أخرى مثل القمح، فضلاً عن أثر تغير المناخ الذي يهدد الأمن الغذائي في المستقبل.
إلى جانب أن أسعار الأرز الرخيصة نسبيًا كبحت عزيمة الشباب على أن يصبحوا مزارعين للحبوب، ما أدى لزيادة عدد المزارعين المسنين، وحقول الأرز المهجورة.
عادة ما تتملئ أرفف المتاجر بأكياس وفيرة من الأرز على مدار العام، لكن في يونيو 2024 بدأت وسائل الإعلام اليابانية في الحديث عن نقص الأرز وازداد الأمر سوءًا على مدار شهري غشت وسبتمبر الجاري.
في غشت ، أعلنت حكومة محافظة أوساكا نفاد الأرز من 80% من تجار التجزئة، كما دعت وزارة الزراعة والغابات ومصايد الأسماك إلى إطلاق مخزونات الطوارئ الحكومية.
رغم ذلك، لم تعلن خططًا لاستغلال مخزون الحكومة -إذ تم إنشاء مخزون الطوارئ عندما أدى الحصاد السيئ في عام 1993 إلى نقص حاد في الأرز- البالغ 910 آلاف طن، وفقًا لصحيفة “أساهي شيمبون”.
ذكرت الوزارة أنه في عام 2023/2024 تم إنتاج إجمالي 7.91 مليون طن من الأرز، منها 6.61 مليون طن من أرز المائدة، و1.3 مليون طن مخصصة لأغراض أخرى كالأعلاف والمعالجة وتعزيز احتياطي الحكومة و50 ألف طن للتصدير.
بلغ الطلب على أرز المائدة في نفس العام 7.03 مليون طن تقريبًا، ورغم ذلك لا يمكن بموجب قرارات الوزارة سد الفجوة في الأرز غير المخصص للمائدة من الكميات المحددة للأغراض الأخرى لتلبية الطلب المتزايد.
هل للسياح يد في الأزمة؟
بينما كانت العائدات الإجمالية لحصاد الأرز لعام 2023 قريبة من المتوسط، إلا أن الأمطار الغزيرة والحرارة الشديدة جعلت الكثير من المحصول غير قابل للبيع، فضلاً عن تراجع كمية الأراضي المخصصة لزراعة الأرز.
أظهرت بيانات وزارة الزراعة والغابات ومصايد الأسماك اليابانية، تراجع مخزونات القطاع الخاص من الأرز إلى 1.56 مليون طن خلال يونيو بنسبة انخفاض 20% عن العام السابق، كما أنه المستوى الأدنى منذ عام 1999، عندما تم جمع البيانات القابلة للمقارنة للمرة الأولى.
وصرح “هيروشي إيتاكورا” المسؤول بالوزارة لوكالة “فرانس برس” قائلاً: الأسباب الرئيسية وراء تراجع المخزون هي ارتفاع درجات الحرارة -التي ضربت المحاصيل في العام الماضي- إلى جانب نقص المياه والأسعار الرخيصة نسبيًا للأرز مقارنة بأسعار محاصيل أخرى مثل القمح.
ورغم تراجع شهية المواطنين نحو الأرز مع تزايد توجه الأنظمة الغذائية في اليابان نحو الطابع الغربي، إلا أنه في الفترة من يونيو 2023 وحتى غشت من هذا العام، بلغ الطلب 7 ملايين طن، بارتفاع 100 ألف طن عن العام السابق، مسجلاً أول زيادة في 10 سنوات.
خلال نفس الفترة تضاعف عدد السياح الأجانب -المحبين للسوشي والوجبات الأخرى القائمة على الأرز- بأكثر من الضعف على أساس سنوي، إذ استقبلت اليابان 17.78 مليون سائح في النصف الأول من العام الحالي، أي بزيادة أكثر من مليون سائح عن مستويات ما قبل الوباء.
ومع افتراض أن السياح الأجانب يتناولون وجبتين من الأرز يوميًا، فإن طلبهم سيعادل 51 ألف طن أو بزيادة 2.7 ضعف عن نفس الفترة من العام السابق، وفقًا لتقديرات الوزارة.
لكن أشار “أوسكار تيجارا” المحلل لدى بنك الغذاء والزراعة العالمي “رابوبنك” إلى أنه رغم زيادة استهلاك السياح بأكثر من الضعف إلا أنه لا يزال صغيرًا نسبيًا مقارنة باستهلاك الأرز المحلي السنوي في اليابان الذي يتجاوز 7 ملايين طن.
سياسات تقييدية
تتمتع اليابان بالاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بالأرز، وتتحكم الحكومة بعناية في الواردات إذ تفرض رسومًا جمركية بنسبة 778% على الأرز المستورد من أجل حماية مزارعي الأرز.
وعلى الرغم من التزام البلاد باستيراد ما لا يقل عن 682 ألف طن من الأرز كل عام بموجب التزاماتها مع منظمة التجارة العالمية، إلا أن هذا الأرز المستورد لا يزال معزولاً إلى حد كبير عن المستهلكين في اليابان ويستخدم في المعالجة والأعلاف.
علق “كازهيتو ياماشتيا” المسؤول السابق بوزارة الزراعة والزميل بمعهد “كانون” للدراسات العالمية على الأمر بأن اليابان أهملت احتمالية تعرضها للصدمات المتعلقة بالغذاء، وأضاف أن السياسة المتمثلة في خفض الإنتاج عمدًا لدعم الأسعار جعلت البلاد في وضع يجعل للتغييرات الصغيرة نسبيًا في جانب الطلب أو العرض تأثيرات شديدة للغاية.
موضحًا أنه لو اتبعت البلاد سياسات مختلفة، كان من الممكن أن تصبح قوة عظمى في تصدير الأرز، مع ضعف الإنتاج واحتياطيات ضخمة ودور عالمي في الحد من انعدام الأمن الغذائي.
لكن يتم تبرير تلك السياسات بمزيج من تقلص عدد السكان وتغير الذوق العام، إذ أظهرت الإحصاءات أن الأسر اليابانية أصبحت تنفق على الخبز أكثر من الأرز سنويًا منذ عام 2014.
أزمة مؤقتة أم مستمرة؟
صرح وزير الزراعة والغابات ومصايد الأسماك “ساكاموتو” خلال سلسلة من المؤتمرات الصحفية في شهري أغسطس وسبتمبر بأن المخزون الكافي مؤمن وأن النقص قصير الأمد في الأرز حدث بسبب زيادة مؤقتة في الطلب على الاستعداد للكوارث.
كما أنه يرى أن إطلاق مخزونات حكومية إضافية قد يؤثر سلبًا على العرض والطلب وسعر الأرز، وأن محصول الأرز الجديد سيكون متاحًا للمستهلكين قريبًا.
أصدر رئيس الوزارء “كيشيدا” في أواخر أغسطس تعليماته للوزارة بمعالجة مخاوف المستهلكين والعمل على توزيع الأرز بسلاسلة وضمان إمداد محلات السوبر ماركت بصورة جيدة.
وتوقع وزير الزراعة حدوث تعافٍ تدريجي للنقص في الأزر مع بدء ظهور المحصول الجديد في السوق اعتبارًا من أواخر أغسطس، وأنه بنهاية سبتمبر الجاري سيتم تسويق ما يقرب من 40% من الشحنة السنوية.
لكن على صعيد آخر قد يصل معدل تخارج مزارع الأرز من الإنتاج إلى مستوى قياسي هذا العام مع وصول متوسط أعمار المزارعين إلى 69 عامًا تقريبًا أي أن أغلبهم من كبار السن، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الأسمدة والطاقة.
حذر “دايسوكي إيجاما” المحلل لدى مجموعة الأبحاث “تايكوكو داتابنك” من أنه إذا استمر الوضع كذلك، فربما لن يكون هناك إمدادات مستقرة من الأرز في المستقبل.
أشار “ياماشتيا” إلى أنه في مايو 2024 عندما تم زرع الأرز الذي يتم حصاده هذا الصيف لم تعتقد الحكومة حينها أنه سيكون هناك نقص، لذلك شجعت على خفض الإنتاج أيضًا.
ربما يكمن الحل الفوري لذلك النقص في نقل حصاد محصول هذا الصيف إلى أرفف السوبر ماركت، إلا أنه قد يعني تراجعًا مبكرًا في الإمدادات ما قد يسفر عن نقص آخر في الصيف المقبل.