أزمة الغذاء العالمية: صراع من أجل البقاء في ظل تحديات القرن الحادي والعشرين
في عالم يتزايد فيه الضغط لتوفير الغذاء لمليارات البشر، تحولت الأراضي الخصبة إلى ساحة مواجهات يتعين فيها تلبية هذه الاحتياجات وسط تحديات ضخمة أبرزها النمو السكاني المستمر، التغيرات المناخية المتقلبة، النزاعات الجيوسياسية، والتحديات الاقتصادية الضاغطة.
ومنذ سنوات، تزداد المخاطر التي تهدد قدرة العالم على تأمين الغذاء لسكانه. فالتحديات العالمية التي تشمل ارتفاع أسعار المحاصيل الرئيسية تتصاعد، وسط أزمة متزايدة تتعلق بندرة المياه اللازمة للزراعة، التي باتت تمثل حجر الزاوية في هذه المعادلة.
وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، يُعرَف انعدام الأمن الغذائي بأنه عدم القدرة على الحصول على الغذاء الكافي والمغذي لدعم النمو والتطور الطبيعي والحياة الصحية.
التعداد السكاني لأكبر 5 دول من حيث عدد السكان |
|||
البلد |
2024 العدد (بالمليون نسمة) |
2054 العدد (بالمليون نسمة) |
2100 العدد (بالمليون نسمة) |
الهند |
1451 |
1692 |
1505 |
الصين |
1419 |
1215 |
633 |
الولايات المتحدة |
345 |
384 |
421 |
إندونيسيا |
283 |
322 |
296 |
باكستان |
251 |
389 |
511 |
وفي عام 2023، تضرر أكثر من ملياري شخص من مستويات مختلفة من انعدام الأمن الغذائي، في وقت تتزايد فيه المخاطر التي تهدد حياة ملايين الأفراد بسبب قلة الغذاء.
وفي ضوء هذه التحديات، يظل النمو السكاني أحد أكبر المخاطر التي تضعف قدرة النظام الغذائي العالمي على الصمود. فبالرغم من التقدم في مجال التقنيات الزراعية والتعاون الدولي، إلا أن إنتاج الغذاء لم يكن في مستوى النمو السكاني المتسارع.
ومن المتوقع أن تتراجع إنتاجية المحاصيل العالمية بنسبة تصل إلى 30% بحلول عام 2050، إذا استمر التغير المناخي في تهديد الزراعة.
و بحلول 15 نونبر 2022، بلغ عدد سكان العالم 8 مليارات شخص، ما يشكل أكثر من ثلاثة أضعاف العدد في منتصف القرن العشرين.
وتشير التوقعات إلى أن هذا العدد سيستمر في الزيادة ليصل إلى 9.7 مليار نسمة بحلول 2050، ليصل ذروته عند 10.4 مليار في منتصف القرن، قبل أن يبدأ في التراجع.
هذه الزيادة السكانية ستؤدي إلى زيادة ضخمة في الطلب على الغذاء، بما في ذلك تنوعه وجودته، ما سيضغط على الموارد الطبيعية مثل الأراضي والمياه والطاقة.
كما أن النمو السكاني يتسبب في تآكل الأراضي الزراعية نتيجة التحضر وإزالة الغابات، وهو ما يقلص المساحات الزراعية ويزيد من المنافسة على الموارد المحدودة.
ويؤدي هذا الضغط السكاني إلى تغير الأنماط الغذائية نحو استهلاك المزيد من اللحوم والمنتجات المعالجة، مما يستدعي مزيدًا من الموارد لإنتاج الغذاء، ويؤدي إلى زيادة استهلاك المياه والطاقة، فضلاً عن زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة.
تغير المناخ يشكل أحد أبرز التحديات التي تواجه الأمن الغذائي، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة، والجفاف الممتد، والظواهر الجوية المتطرفة مثل الفيضانات والأعاصير إلى تقليص المحاصيل الزراعية.
متوسطات مؤشر منظمة الفاو لأسعار الغذاء خلال العقد الأخير |
|
السنة |
قيمة المؤشر |
2015 |
93.1 |
2016 |
92.0 |
2017 |
97.9 |
2018 |
95.8 |
2019 |
94.9 |
2020 |
98.1 |
2021 |
125.7 |
2022 |
144.5 |
2023 |
124.5 |
2024 |
122.0 |
و تشير الدراسات إلى أن كل درجة مئوية زيادة في الحرارة قد تؤدي إلى تقليص إنتاجية المحاصيل الأساسية بنسبة تتراوح بين 3-10%.
الظروف الجوية المتطرفة تؤثر على الإنتاج الزراعي بشكل عميق، حيث تؤدي إلى تعطيل دورات الزراعة وتقليل الأراضي الزراعية المتاحة. كما أن ارتفاع منسوب البحر وزيادة ملوحة التربة يهددان المحاصيل الزراعية.
مع زيادة الظروف المناخية القاسية، تتزايد أسعار الغذاء بشكل ملحوظ، مما يؤثر بشكل مباشر على الأسر ذات الدخل المنخفض.
ووفقًا للتوقعات، قد يتسبب التغير المناخي في دفع 80-120 مليون شخص إضافي نحو الجوع بحلول عام 2050.
تعد النزاعات المسلحة، مثل الحرب في أوكرانيا، من العوامل الرئيسية التي تهدد الأمن الغذائي، حيث أدت الحرب إلى تدمير بنية الإنتاج الزراعي في أوكرانيا، التي تُعد من أكبر المنتجين للحبوب، ما تسبب في إحداث اضطرابات كبيرة في سلاسل إمداد الحبوب العالمية.
أعداد الذين واجهوا انعدام الأمن الغذائي في العالم (خلال عام 2023) |
|||
المنطقة |
إجمالي السكان (بالمليون نسمة) |
انعدام أمن غذائي متوسط أو شديد |
انعدام أمن غذائي شديد |
آسيا |
4753 |
1181 |
467 |
إفريقيا |
1460 |
847 |
316 |
أمريكا الشمالية وأوروبا |
1121 |
98 |
18 |
أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي |
665 |
188 |
58 |
علاوة على ذلك، فإن الضغوط الاقتصادية، مثل التضخم، تساهم في زيادة تكاليف الإنتاج، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء. كما أن اضطراب سلاسل التوريد بسبب الأوبئة أو النزاعات الجيوسياسية يفاقم المشكلة.
و لضمان الأمن الغذائي العالمي في المستقبل، يتطلب الأمر حلولًا مستدامة.
ويعد تعزيز الزراعة المستدامة أحد الحلول الجوهرية، حيث يجب أن تركز على تقليل الاعتماد على المدخلات الكيميائية، والاعتماد على الطاقة المتجددة في الزراعة.
كذلك، يشكل الابتكار التكنولوجي دورًا محوريًا في تحسين الإنتاجية الزراعية. فالزراعة الدقيقة والتكنولوجيا الحديثة يمكن أن تزيد من الإنتاجية الزراعية وتحسن جودة المحاصيل.
إضافة إلى ذلك، فإن استنباط محاصيل مقاومة للتغيرات المناخية، مثل الجفاف والحرارة المرتفعة، سيسهم في تعزيز قدرة النظم الزراعية على التكيف مع الظروف المتغيرة.
يعد استخدام المياه بشكل فعال أحد المفاتيح الأساسية لتحقيق الأمن الغذائي. فتبني تقنيات الري الحديثة مثل الري بالتنقيط، وكذلك تطوير السياسات التي تساهم في الحفاظ على الموارد المائية، يمثل خطوة هامة نحو تحقيق الاستدامة في الإنتاج الزراعي.
رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها أنظمة الغذاء العالمية، فإنه من الممكن بناء مستقبل غذائي آمن ومستدام عبر التعاون الدولي، استخدام التكنولوجيا، وتبني استراتيجيات جديدة لزيادة مرونة النظام الغذائي العالمي.