الاقتصادية

يونيليفر: من صابون محلي إلى إمبراطورية عالمية مستدامة

من استخدامك اليومي للصابون أو الشاي إلى اقتناء منتجات العناية بالبشرة والعطور، من المرجح أنك قد صادفت إحدى علامات “يونيليفر” التجارية، الشركة التي تصل منتجاتها إلى نحو 2.5 مليار شخص يوميًا في أكثر من 190 دولة.

تأسست يونيليفر عبر اندماج شركتين في أواخر القرن التاسع عشر: الأولى في إنجلترا على يد ويليام ليفر الذي أطلق صابون “صن لايت” لتسهيل النظافة اليومية، والثانية في هولندا من خلال اندماج “يورجنز” و”فان دن بيرج” في قطاع السمن النباتي.

وفي عام 1929، شهد العالم ولادة “يونيليفر” رسميًا بعد دمج “ليفر براذرز” البريطانية مع “مارجرين يوني” الهولندية، مؤسسين ثقافة تنظيمية قائمة على التوازن بين الجانبين وإدارة مشتركة للأرباح.

لم تكن مسيرة الشركة سهلة؛ فقد واجهت تحديات كبيرة مثل “الكساد العظيم” في الثلاثينيات، الأمر الذي دفعها إلى إعادة هيكلة داخلية، وتشكيل لجان إشراف، وتقسيم الأصول بين الشقين البريطاني والهولندي لمواجهة الأزمات الاقتصادية.

بعد الحرب العالمية الثانية، تبنت يونيليفر استراتيجيات نمو جديدة لتلبية احتياجات الأسواق المتنوعة، فيما تحول السبعينيات والثمانينيات إلى مرحلة توسع عدواني، مع استحواذها على علامات تجارية أيقونية مثل “بروك بوند”، و”فازلين”، و”بوندس كريم”، بالإضافة إلى عطور عالمية مثل “كالفن كلاين” و”كلوي”.

بحلول التسعينيات، ضمت محفظة الشركة أكثر من 1,600 علامة تجارية، لكنها سرعان ما أدركت أن 400 منها فقط تحقق 90% من الأرباح.

اتخذت يونيليفر قرارًا استراتيجيًا جريئًا بالتخلص من 1,200 علامة تجارية غير أساسية، مركزًة على تعزيز “جواهر التاج” في محفظتها.

و كانت هذه خطوة حاسمة نحو فلسفة “الأقوى هو الأفضل” بدلًا من “الأكبر هو الأفضل”، وهو المبدأ الذي تستند إليه الشركة حتى اليوم.

ركائز نمو يونيليفر بعد الحرب العالمية الثانية

1- غزو العالم بلغات محلية

– مع توسع يونيليفر في أسواق متنوعة مثل الهند والبرازيل، أدركت الشركة أن الإدارة المركزية من أوروبا لن تنجح. فلكل سوق تفضيلاته وثقافته وقوانينه.

– لذا، أطلقت في الأربعينيات سياسة رائدة أسمتها “التوطين”، حيث تم استبدال المديرين الأوروبيين بمديرين محليين (“هنود” في الهند، “برازيليين” في البرازيل، وهكذا).

– منحت هذه المراكز المحلية استقلالية أكبر في اتخاذ القرارات، مما سمح للشركة بالتغلغل في الأسواق الجديدة وفهم عملائها بعمق.

– لقد كانت هذه وصفة “فكر عالميًا، وتصرف محليًا” قبل أن تصبح شعارًا شائعًا.

2- سباق الابتكار (عندما أجبرت “تايد” يونيليفر على التطور)

– في الخمسينيات، تلقت يونيليفر ضربة قوية من منافستها اللدودة “بروكتر آند جامبل”، التي أطلقت منظف “تايد” الصناعي المتطور.

– لسنوات، ظلت يونيليفر متأخرة، لكنها لم تستسلم. استثمرت بكثافة في البحث والتطوير، وبحلول عام 1965، لم تكتفِ بإنتاج منظف منافس، بل أطلقت نسخة قابلة للتحلل الحيوي، لتضرب عصفورين بحجر واحد: التفوق التقني والمسؤولية البيئية.

– رسخت هذه الحادثة الابتكار كأحد أعمدة استراتيجيتها، وأسست 11 مركزًا بحثيًا حول العالم لضمان بقائها في الطليعة.

سر نجاح يونيليفر يكمن في نموذج إدارتها الهجين، الذي يوازن بين السيطرة المركزية والقوة المحلية.

برغم تعزيز قيم الشركة العالمية من خلال برامج تدريبية للمديرين، يُمنح القادة المحليون حرية اتخاذ القرارات بما يتناسب مع أسواقهم، ما يمكّن الشركة من العمل بخفة شركة محلية وتفكير قوة عالمية.

في عام 2010، أطلقت يونيليفر “خطة العيش المستدام” التي وضعت الاستدامة في صميم استراتيجيتها للنمو.

التزمت الشركة بمضاعفة أعمالها مع تقليل البصمة البيئية إلى النصف، مع تحسين حياة الملايين عبر مشاريع مكافحة إزالة الغابات، وتعزيز الزراعة المستدامة، والاستثمار في المياه والنظافة.

بهذا، أعادت يونيليفر صياغة رسالتها الاجتماعية لجعل العالم كله جزءًا من رؤيتها، مستمدة إلهامها من إرث ويليام ليفر، لكنها الآن على نطاق كوكبي.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى