هل الولايات المتحدة في طريقها نحو نموذج دولي يشبه الدول النامية؟

احتفل الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الأسبوع الماضي بمرور 100 يوم على توليه ولاية ثانية، إلا أن القرارات التي اتخذها خلال هذه الفترة أثارت تساؤلات جدية حول اتجاه الولايات المتحدة نحو نموذج اقتصادي قد يقترب من الأنماط التي تتبعها بعض الدول النامية.
فمع تصاعد الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية، باتت هذه السياسات تثير مخاوف بشأن تأثيرها على النظام السياسي والاقتصادي الأمريكي.
تتميز بعض الدول النامية بعدد من السمات المشتركة التي قد تلوح في أفق السياسة الأمريكية الحالية، مثل تركيز السلطة في أيدي فئة قليلة، وتغييب سيادة القانون، والفراغ المؤسسي، وتداخل السلطات، مع تزايد تأثير السلطة التنفيذية على باقي السلطات.
كل هذه العوامل تساهم في تآكل الثقة في الاقتصاد المحلي، وتخلق بيئة غير مستقرة، تجعل الأسواق طاردة للاستثمار.
في سياق تشكيل إدارته، اعتمد ترامب على تعيين أشخاص من دائرة مقربة ومعروفة بتأثيرها المالي، على غرار الملياردير “إيلون ماسك” مستشاراً غير رسمي، إضافة إلى تكليف رجال الأعمال “سكوت بيسنت” و”هوارد لوتنيك” بالحقائب المالية المهمة مثل الخزانة والتجارة.
هذا التوجه يعكس تركيز السلطة في يد فئة ضيقة، وهو سمة مميزة لبعض الأنظمة في الدول النامية.
شهدت ولاية ترامب الثانية تآكلاً كبيراً لمبدأ الفصل بين السلطات، حيث تدخلت السلطة التنفيذية في اختصاصات الكونغرس في مسائل مثل إعداد الموازنة العامة وسن التشريعات الضريبية.
كما سعى الرئيس إلى التأثير على الأحكام القضائية في قضايا مثل الهجرة وتضارب المصالح داخل إدارته.
شهدت الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب تغييرات سريعة وغير مستقرة في السياسات الاقتصادية. فبعد شن حرب تجارية عالمية من خلال فرض رسوم جمركية على مختلف الدول، وما تبعها من استهداف لقطاعات بعينها لتعزيز الأمن القومي، علق ترامب هذه القرارات بسبب الأثر السلبي على الأسواق المالية، مما أدى إلى تراجع ثقة المستثمرين في الدولار والديون السيادية الأمريكية.
ارتبطت العلاقة بين الدولار الأمريكي ومؤشرات الأسهم الأمريكية بعلاقة طردية مع عوائد السندات السيادية، حيث كان يُعتبر ارتفاع العوائد مؤشراً على التفاؤل بالنمو الاقتصادي.
ولكن مع تصاعد الاضطرابات التجارية، تغيرت هذه العلاقة، ليصبح ارتفاع العوائد مرتبطاً بمخاطر أكبر، مما أثر سلباً على أسعار الأسهم والدولار.
إفراط الحكومات في استخدام الرسوم الجمركية يعزز خطر الفساد، حيث تُمنح سلطة منح الإعفاءات للمسؤولين التنفيذيين، مما يعزز من تأثير جماعات الضغط والمصالح الخاصة في اتخاذ القرارات. هذا يشوه السياسات التجارية، ويجعلها رهينة لاعتبارات غير اقتصادية، وهو ما يعد أحد خصائص الدول النامية.
تسير الأسواق الأمريكية في عهد ترامب نحو نمط من التسعير يشبه ما يحدث في الدول النامية، حيث ترتبط المكاسب المحققة بتقلبات كبيرة نتيجة للقرارات السياسية غير المستقرة. هذا يزيد من عائد المخاطرة، ويجعل الاستثمار في الأصول الأمريكية أقرب إلى المغامرة في بيئة غير مستقرة.
ومع تسارع التحولات في الولايات المتحدة، بدأ الاقتصاد الأمريكي يشهد تداعيات تشبه تلك التي توجد في الدول النامية: عدم الاستقرار السياسي، تقلب القرارات الاقتصادية، وتداخل اختصاصات المؤسسات. هذه الظروف تفرض على الشركات الأمريكية التكيف مع بيئة عمل غير مستقرة، لتتعلم من الشركات في الأسواق الناشئة كيفية إدارة المخاطر السياسية.
اعتمدت الشركات في الدول النامية على نموذج التكتلات متعددة الأنشطة لضمان الصمود أمام التقلبات السياسية، كما هو الحال مع مجموعة “تاتا” الهندية.
ومع تغير بيئة الأعمال في الولايات المتحدة، أصبح التكيف والمرونة أكثر أهمية من الكفاءة التي كانت أساس السوق الأمريكية في السابق.
تظهر سياسات ترامب في ولايته الثانية خصائص تشبه تلك التي تميز الدول النامية من تركز للسلطة، وتآكل دور المؤسسات، وارتباك السياسات الاقتصادية.
ومع تراجع الكفاءة المؤسسية، أصبحت المرونة والتكيف ضروريين للشركات الأمريكية التي تواجه بيئة عمل غير مستقرة.