هروب رؤوس الأموال الفرنسية إلى لوكسمبورغ وسويسرا مع تصاعد الضغوط الضريبية والسياسية

يشهد القطاع المالي الفرنسي موجة غير مسبوقة من نزوح رؤوس الأموال، إذ يبحث رجال الأعمال والعائلات الثرية عن ملاذات مالية آمنة خارج البلاد، متجهين نحو عقود تأمين الحياة في لوكسمبورغ وحسابات استثمارية في سويسرا.
و يأتي ذلك في ظل قلق متزايد من الاضطرابات السياسية وارتفاع التهديدات الضريبية.
بيانات هيئة الرقابة على التأمين في لوكسمبورغ أظهرت أن استثمارات الفرنسيين في عقود تأمين الحياة ارتفعت بنسبة 58% خلال 2024 لتصل إلى 13.8 مليار يورو، وهو مستوى قياسي لم تشهده البلاد من قبل.
تتميز هذه العقود بمرونة مالية عالية، وإمكانية الاحتفاظ بالأموال خارج فرنسا، إضافة إلى عتبة دخول مرتفعة تبدأ من 250 ألف يورو، ما يجعلها خياراً حصرياً للأثرياء.
كما توفر ميزة نفسية تتمثل في الاطمئنان لوجود الأموال في ملاذ خارجي يمكن التصرف بها عند الحاجة.
بالإضافة إلى لوكسمبورغ، توجهت أموال ضخمة نحو سويسرا، التي تعتبر أكثر استقراراً سياسياً ومالياً. وأوضح المحامي السويسري فيليب كينيل أن الفرنسيين يبحثون عن ترتيبات ضريبية خاصة، مثل نظام الضرائب المقطوعة للمقيمين غير العاملين أو الحسابات الاستثمارية طويلة الأجل. وأضاف: «المسألة ليست الضرائب فقط، بل الاستقرار الذي توفره سويسرا».
بدأت موجة الهجرة المالية منذ إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة في يونيو 2024، ما أدى إلى برلمان منقسم وحكومات متعاقبة ضعيفة.
وتواجه الحكومة الحالية بقيادة رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو فجوة مالية ضخمة تبلغ 2.5 مليار يورو، وتسعى لسدها عبر ضرائب إضافية على كبار الأثرياء والشركات القابضة.
رغم أن ضريبة الثروة الشاملة لم تُطبق بعد، فإن مجرد طرحها من قبل أحزاب اليسار أثار قلقاً كبيراً في الأوساط المالية.
لم تقتصر التحركات المالية على لوكسمبورغ وسويسرا، بل امتدت إلى إيطاليا وإسبانيا والبرتغال. فقد جذبت إيطاليا الأثرياء بفضل نظامها الضريبي المرحب، رغم زيادة الحد الأقصى للضريبة المقطوعة على الدخل الأجنبي مؤخراً، بينما برزت إسبانيا والبرتغال كوجهات بديلة للاستثمار الآمن.
هروب الأموال يضعف قدرة باريس على تمويل الاستثمارات المحلية، ويعزز في المقابل قوة الملاذات المالية مثل لوكسمبورغ وسويسرا. كما يمكن أن يتحول النزوح المالي إلى هجرة فعلية للأثرياء، مما يزيد من تعقيد معادلة «الضرائب مقابل الاستقرار» في أوروبا.
ليست هذه الظاهرة جديدة؛ فقد شهدت الفترة بين 1980 و2010 موجات انتقال واسعة للأثرياء الفرنسيين نحو سويسرا، قبل أن تهدأ مؤقتاً مع انتخاب ماكرون في 2017.
ومع عودة الاضطرابات السياسية والمالية اليوم، يبدو أن الثقة في الاقتصاد الفرنسي تتراجع، وقد تعيد هذه التحولات رسم خريطة الثروة الأوروبية في السنوات المقبلة.