الاقتصادية

من يصنع القواعد؟ معضلة صنّاع المحتوى في عالم تحكمه الخوارزميات

في خضم التحولات الرقمية المتسارعة التي يعيشها عالمنا، تتبوأ منصات التواصل الاجتماعي مكانة القوة المحورية، فارضةً منطقها الخاص على صنّاع المحتوى.

ورغم التحديثات المتلاحقة والتعديلات التي تطال آليات تحقيق الدخل، لا تزال هذه المنصات، وعلى رأسها ميتا (فيسبوك/إنستجرام) وإكس (تويتر سابقًا)، توجه جل اهتمامها نحو تعزيز التفاعل داخل منظومتها الداخلية، مُغلبةً ذلك على توفير منفعة مالية حقيقية للمبدعين.

بينما يرى بعض صنّاع المحتوى في هذه المنصات مجرد نافذة للتعبير الإبداعي غير مرتبطة بالضرورة بالربح المادي المباشر، يواجه آخرون، ممن يعتمدون عليها كمصدر أساسي للدخل، تحديات جمة تفرضها خوارزمياتها المتحكمة في ظهور المحتوى وحجم العائدات المتأتية منه.

وفي نهاية المطاف، تبقى الكلمة الفصل للمنصة، لا للمبدع نفسه.

تتجسد قسوة هذا الواقع في قصص مؤلمة يرويها صنّاع المحتوى، تكشف عن فجوة سحيقة بين حجم التفاعل المذهل والأرباح الهزيلة.

ولعل خير مثال على ذلك، تجربة أحد المبدعين الذي حصد منشوره على منصة إكس أكثر من 35.9 مليون مشاهدة خلال عام واحد، ليجد أن حصيلته من الأرباح لم تتجاوز 115 دولارًا هزيلًا، وهو مبلغ لا يكفي حتى لتغطية ثمن حذاء رياضي متواضع.

هذه الحكاية ليست مجرد استثناء، بل تعكس حقيقة مُرة يعيشها العديد من صنّاع المحتوى الذين يعلقون آمالهم على تقلبات الخوارزميات ويستسلمون لرحمة الإيرادات الإعلانية غير المستدامة.

و من الضروري أن نعي تمامًا أن منصات التواصل الاجتماعي، على الرغم من قوتها الهائلة في بناء الوعي بالعلامات التجارية واستقطاب الجماهير، لم تُصمم في الأساس لتكون مصدر الدخل الرئيسي لصنّاع المحتوى.

Australian researchers record world's fastest internet speed | Ariana News

فهذه الكيانات، التي تعتمد في جوهرها على الإعلانات لتحقيق الأرباح، تحتكر سلطة تحديد من يرى المحتوى ومقدار العائدات التي يمكن أن تتحقق منه.

تقدم العديد من منصات التواصل، مثل ميتا وإكس، قنوات محدودة لتحقيق الدخل عبر الإعلانات المدمجة في المحتوى. بيد أن هذه الآليات غالبًا ما تكون مجدية فقط لمن يمتلكون قاعدة جماهيرية ضخمة، بينما تبقى العوائد ضئيلة للغاية بالنسبة للغالبية العظمى.

وفي حالة إكس تحديدًا، تحولت الآلية إلى حد كبير نحو الاعتماد على تفاعل مستخدمي الخدمة المدفوعة “إكس بريميوم”، مما يضع عبئًا إضافيًا على المبدعين للترويج لهذه الخدمة كي يتمكنوا من تحقيق أي أرباح تُذكر.

و من اللافت للنظر أن العديد من صنّاع المحتوى لا يزالون يغفلون عن القوة الكامنة في البريد الإلكتروني كأداة حيوية لبناء قاعدة جماهيرية راسخة ومستدامة.

فبينما تخضع منصات التواصل لتقلبات الخوارزميات غير المتوقعة، يمثل البريد الإلكتروني ملكية خاصة، يمنحك سيطرة كاملة واستقرارًا في الوصول المباشر إلى جمهورك دون وسيط.

لتحقيق دخل ثابت ومستدام، يمكن لصنّاع المحتوى التفكير بجدية في إطلاق نشرات إخبارية مدفوعة تقدم محتوى حصريًا أو في تقديم دورات تدريبية متخصصة عبر الإنترنت.

توفر هذه الخيارات تدفقًا مستمرًا من الإيرادات يعفيهم من التبعية لتقلبات الخوارزميات ويضعهم على طريق الاستقلالية المالية.

كيف تستثمر منصات التواصل لتعزيز علامتك التجارية؟

بناء الوعي وتوسيع الانتشار: في المراحل الأولى، يجب التركيز على إنتاج محتوى جذاب وقيم يهدف إلى استقطاب أكبر شريحة ممكنة من المتابعين.

توجيه الجمهور نحو منصاتك الخاصة: بعد بناء قاعدة جماهيرية أولية، يصبح من الضروري توجيه هذا الجمهور تدريجيًا نحو منصاتك الخاصة، مثل قائمتك البريدية أو موقعك الإلكتروني.

تحقيق الدخل بشروطك: بعد تأسيس حضور قوي ومستدام على منصاتك الخاصة، يمكنك البدء في تحقيق الدخل بالطريقة التي تتناسب مع قيمك وأهدافك، مما يضمن لك قدرًا كبيرًا من الاستقلالية والتحكم.

و في نهاية المطاف، لن يتحقق النجاح الحقيقي والمستدام في عالم صناعة المحتوى لأولئك الذين يلهثون خلف أرقام المشاهدات الزائلة، بل لأولئك الذين يبنون نظامًا متكاملًا يمكنهم من خلاله السيطرة على محتواهم ومنصاتهم ومصادر دخلهم.

لذا، لا تتردد في اتخاذ الخطوات اللازمة للانتقال نحو بناء منصاتك الخاصة والتحرر من القيود التي تفرضها خوارزميات الآخرين.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى