اقتصاد المغربالأخبار

من المسؤولية إلى التنافسية: كيف يعيد التحول الطاقي صياغة دور الشركات المغربية؟

في عالم الأعمال المتسارع، لم تعد المسؤولية الاجتماعية للمقاولات (RSE) مجرد شعار أخلاقي أو نشاط خيري يُمارس على الهامش.

لقد تحولت إلى ركيزة استراتيجية حاسمة تحدد مستقبل الشركات المغربية وقدرتها على التنافس عالمياً. يرى الخبراء أن هذا التحول الجذري يربط بشكل وثيق بين المسؤولية الاجتماعية والتحول الطاقي، ويُعيد تعريف الالتزام المؤسسي ليُقاس بالبصمة الكربونية للشركات، بدلاً من حصيلتها الاجتماعية التقليدية.

وفقًا لمحمد بوطي، الخبير في التحول الطاقي في حديث مع “Finances News Hebdo”، فإن المؤشر الأكثر دلالة على التزام المقاولات بالمسؤولية الاجتماعية اليوم هو حجم انبعاثاتها الكربونية.

هذا التوجه يعكس تحوّلاً من المفهوم التقليدي للمسؤولية الاجتماعية إلى تطبيق عملي وملموس. فالالتزام الأخلاقي يظهر الآن في الألواح الشمسية على أسطح المصانع، وفي استخدام الهيدروجين الأخضر، وسلاسل الإنتاج منخفضة الانبعاثات.

هذا التحول يأتي استجابةً لتحديات كبيرة، أبرزها ضرورة تقليص استهلاك الطاقات الأحفورية، والاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة، وتحسين الكفاءة الاقتصادية.

كما أن الأسواق العالمية، خاصة الأوروبية، باتت تفرض شروطاً صارمة على المنتجات المستوردة بناءً على بصمتها الكربونية، مما يجعل من التحول الطاقي ضرورة للبقاء في سباق التنافسية.

يُشير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى أن المغرب يخصص حوالي 6% من ناتجه الداخلي الخام لاستيراد الطاقة، ما يعادل نحو 80 مليار درهم سنوياً. هذا الاعتماد على الطاقة الخارجية يجعل الاقتصاد الوطني عرضة للتقلبات الجيوسياسية.

في المقابل، تُظهر دراسة نُشرت في كتاب “الاستثمار المسؤول اجتماعياً” أن المقاولات المغربية التي استثمرت بفعالية في استراتيجيات المسؤولية الاجتماعية حققت أداءً مالياً متفوقاً على المدى القصير والطويل، متجاوزةً حتى مؤشر MASI ببورصة الدار البيضاء.

يؤكد محمد بوطي أن الاستثمار في الطاقة المتجددة ليس مجرد خيار ترفيهي، بل هو ميزة تنافسية لا غنى عنها. ويوضح: “عندما تصبح الأخلاقيات مربحة، تتحوّل المسؤولية الاجتماعية إلى ضرورة اقتصادية”.

بفضل القانون رقم 86-12، أصبح بإمكان المقاولات تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة الشمسية. وقد بدأت العديد من الشركات في الاستفادة من هذا القانون، حيث باتت بعض المصانع الغذائية تُغطي ما يصل إلى 40% من احتياجاتها الطاقية من مصادر متجددة.

كما اعتمدت مراكز لوجستية بميناء طنجة المتوسط على الطاقة الشمسية لتبريد مستودعاتها، فيما تبنى مجمع OCP استراتيجية الاستهلاك الذاتي في مواقع التعدين.

هذه الاستثمارات في الطاقة الخضراء لا تهدف فقط إلى خفض التكاليف، بل هي أيضاً بمثابة درع واقٍ في وجه الأزمات المستقبلية وارتفاع أسعار النفط. يُحذر بوطي قائلاً: “إذا بلغ سعر برميل النفط 140 دولارًا بسبب أزمة جيوسياسية مفاجئة، ستكون المقاولات المستثمرة في الطاقة الخضراء الأقل تضرراً”.

من المتوقع أن يفرض الاتحاد الأوروبي، اعتباراً من يناير 2026، آلية تعديل الكربون على الحدود (MACF)، التي ستُخضِع الواردات لضرائب بناءً على بصمتها الكربونية.

في هذا السياق، ستصبح الطاقة المتجددة بمثابة جواز عبور للمقاولات المغربية الراغبة في دخول الأسواق الأوروبية.

من بين المشاريع الاستراتيجية التي تُعزز هذا التوجه، مشروع HVDC الذي سيربط مدينة الداخلة بالدار البيضاء، بطول 1.400 كلم، وبطاقة إنتاجية تبلغ 3.000 ميغاواط من الطاقة الشمسية والريحية. هذا المشروع سيزود المناطق الصناعية الشمالية بالطاقة النظيفة المنتجة في الجنوب.

وفي الختام، يؤكد بوطي على أن الهيدروجين الأخضر يُمثل أفقاً استراتيجياً للمغرب، مشيراً إلى أن المملكة اعتمدت مشاريع استثمارية في هذا المجال بقيمة 32.5 مليار دولار، ما يعكس طموح المغرب في أن تصبح طاقة الغد جزءاً من اقتصاد اليوم.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى