الاقتصاديةالتكنولوجيا

مفاعلات نووية صغيرة.. الثورة الخفية للطاقة في عصر الذكاء الاصطناعي

في خضم سباق عالمي لتلبية الطلب الهائل على الكهرباء الناتج عن انتشار الذكاء الاصطناعي، تشهد الولايات المتحدة عودة الطاقة النووية إلى الواجهة، ولكن هذه المرة عبر مفاعلات صغيرة مبتكرة تجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والدعم السياسي والتمويل الضخم من رواد الأعمال والمستثمرين.

في مصنع آلو أتوميكس (Aalo Atomics) بمدينة أوستن، تكساس، يقوم العمال بلف ألواح فولاذية سميكة لتشكيل أسطوانات بارتفاع 25 قدمًا، ستستضيف قلب مفاعل نووي صغير بقدرة 10 ميغاوات.

خمسة من هذه المفاعلات، تعمل بالتوازي، يمكنها توليد 50 ميغاوات، أي ما يكفي لتشغيل مركز بيانات ضخم أو نحو 45 ألف منزل.

يقول مات لوسزاك، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة آلو أتوميكس: “المفاعل لم يعد مجرد فكرة على الورق، نحن بصدد بنائه فعليًا”. وتسعى الشركة لتحقيق ما يسمى “الحرجة النووية” بحلول 4 يوليو 2026، بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى الـ250 لتأسيس أمريكا، وهو هدف من أهداف الرئيس ترامب لإطلاق ثلاثة مشاريع نووية أمريكية على الأقل.

وتعني “الحرجة” بداية سلسلة تفاعلات نووية مستدامة، بينما سيبدأ إنتاج الكهرباء بعد استكمال سلسلة التوريد والحصول على موافقات هيئة الرقابة النووية الأمريكية، مع خطط لإنتاج الكهرباء بحلول 2027 وبناء مصنع ضخم لتصنيع المفاعلات على نطاق واسع.

يزداد الطلب على الطاقة بوتيرة غير مسبوقة بسبب مراكز البيانات التي تدعم الذكاء الاصطناعي. وليس لوسزاك وحده من يسعى لاستغلال هذه الفرصة، بل تتنافس عشرات الشركات الناشئة مثل فالار أتوميكس (Valar Atomics)، أوكلو (Oklo)، كايروس باور (Kairos Power)، وإكس إنرجي (X-energy) لتطوير مفاعلات صغيرة قابلة للتصنيع المسبق يمكنها تزويد الشبكات الكهربائية ومراكز البيانات بالطاقة.

في 2025، استثمر رأس المال المغامر والمليارديرات ووزارة الطاقة الأمريكية أكثر من 4 مليارات دولار في هذه الشركات، مقارنة بحوالي 500 مليون دولار في 2020، وفق بيانات PitchBook. ونجحت شركة آلو وحدها في جمع 136 مليون دولار بقيادة أنطونيو غراسياس وفالور إكوِتي بارتنرز، الشركة نفسها التي دعمت تسلا في بداياتها.

Best of the West: Nuclear power for AI; Beaver reintroduction; Milestone  for rebuilding in LA; AI education; Building affordable housing; and Lone  Star State solar - WGA - Western Governors' Association

يؤكد سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، أن شركات الذكاء الاصطناعي ستحتاج نحو 250 غيغاوات خلال ثماني سنوات، أي ما يعادل استهلاك البرازيل بأكملها.

ويتوقع المحللون تضاعف الطلب على الطاقة من مراكز البيانات بحلول 2030، بينما الغاز الطبيعي قد يغطي 60٪ فقط من الاحتياجات، مع تأخر توريد التوربينات، فيما الفحم والطاقة الشمسية والرياح لا توفر استمرارية التشغيل المطلوبة.

حصلت المفاعلات النووية الصغيرة على دعم استثنائي من الإدارة الأمريكية، التي وسعت الحوافز الضريبية للطاقة النووية لتصل إلى 40٪، وأعادت هيكلة هيئة الرقابة النووية لتسهيل منح التراخيص، مع تشجيع الشركات الناشئة على بناء مفاعلاتها في مواقع عسكرية أو تاريخية مثل مختبر أيداهو الوطني.

ويصف بعض المستثمرين الطاقة النووية بأنها “الطلقة الفضية” لمواجهة التغير المناخي، وفق درو وانزيلاك من Alumnai Ventures.

تتبنى شركات مثل كايروس باور نظام تبريد بالملح المنصهر ووقود مقاوم للانصهار والهجمات، بينما تسعى فالار أتوميكس لتصميم مفاعلات عملية وموثوقة تشبه في استدامتها “تويوتا كورولا المفاعلات”.

ونجحت أوكلو في جذب الانتباه العام وطرح اكتتاب عام في 2024 دون بناء مفاعل تجريبي، بينما تواصل تيرا باور وبيل غيتس تطوير مفاعل الملح المنصهر بعد 17 عامًا دون الحصول على موافقة الهيئة بعد.

إلى جانب المفاعلات الصغيرة، تستثمر شركات مثل ويستنغهاوس وفيرمي أميركا في مفاعلات تقليدية كبيرة، مدعومة بتسريع التراخيص، لتوفير الطاقة لمراكز البيانات الضخمة. ويطمح توبى نيوجيباور، الرئيس التنفيذي لشركة فيرمي، لجعل تكساس مركزًا للطاقة النووية لدعم الذكاء الاصطناعي، مع منافسة الصين في القطاع النووي.

تعود الطاقة النووية الصغيرة بقوة، مدفوعة بالطلب المتزايد من الذكاء الاصطناعي، الدعم السياسي، والابتكار التكنولوجي. وبينما تواجه الشركات الناشئة تحديات تنظيمية وهندسية، فإن الفترة الحالية تمثل فرصة تاريخية لإعادة بناء قطاع نووي متقدم قادر على تلبية احتياجات العالم للطاقة النظيفة والموثوقة.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى