لماذا يفشل بعض المستثمرين في الاستفادة من الأسواق الصاعدة؟

في شتاء عام 2021، وبينما كانت شاشة حاسوبه تومض بأرقام خضراء وحمراء في شقته الصغيرة المطلة على أحد شوارع بروكلين، وجد إيثان ميلر، الشاب البالغ من العمر 29 عامًا، نفسه أسيرًا لحماس جنوني اجتاح أسهم “جيم ستوب”.
كانت أصداء منتدى “وول ستريت بيتس” على ريديت تتردد في أرجاء الإنترنت، حاملة وعودًا بـ “فرصة لا تُعوض”. لم يتردد ميلر، ذو الخبرة المحدودة في عالم الاستثمار، في القفز إلى قلب الحدث، مستلهمًا من صديقه أندرو الذي حقق مكاسب مضاعفة في أيام معدودة.
ضخ ميلر مبلغًا كبيرًا من مدخرات زواجه، حوالي 50 ألف دولار، في أسهم “جيم ستوب” عند سعر 340 دولارًا للسهم الواحد، متمنيًا تحقيق ثروة سريعة مستفيدًا من الزخم الهائل.
لكن الرياح سرعان ما تغيرت. ففي غضون أسبوع، هوى السهم بنسبة مذهلة بلغت 70%، ليجد ميلر نفسه مضطرًا لبيع ما تبقى من أسهمه خوفًا من تبخر كامل مدخراته. تبدد حلم الثراء السريع، ليحل محله واقع مرير أجبره على تأجيل خطط زواجه.
المفارقة المؤلمة في قصة ميلر أنها تتزامن مع فترة شهدت فيها مؤشرات السوق الأمريكية ارتفاعات ملحوظة.
ورغم ذلك، فشل ميلر في اقتناص أي من تلك المكاسب، ليجسد بذلك حقيقة صادمة: ليس كل من يقف على أرض السوق الصاعدة يحصد ثماره. فالضجيج الإعلامي المصاحب لارتفاع المؤشرات لا يعني بالضرورة مشاركة جميع المستثمرين في الأرباح.
تكشف لنا تجربة ميلر بوضوح أن المستفيدين الحقيقيين من صعود الأسواق غالبًا ما يكونون أولئك الذين يمتلكون الخبرة والمعرفة العميقة بآليات السوق، بينما قد يقع المستثمرون الأفراد ضحية لاندفاعاتهم وقراراتهم العاطفية، مفتقرين إلى التحليل الرصين والمنهجي.
في العقد الأخير، سجل مؤشر “إس آند بي 500” متوسط عائد سنوي يقدر بنحو 10%. لكن اللافت للانتباه هو أن المستثمر الفردي العادي لم يحقق سوى 4% في المتوسط خلال نفس الفترة، وفقًا لتقرير صادر عن شركة “دال بار” للخدمات المالية.
هذه الفجوة تكشف عن وهم كبير يعيشه الكثيرون، حيث يظنون أنهم جزء من موجة الصعود، بينما في الواقع قد يكونون متأخرين عن الركب أو يسيرون في الاتجاه المعاكس.
مقارنة بين المستثمر العادي والمستثمر المحترف: |
||
محور المقارنة |
المستثمر العادي |
المستثمر المحترف |
توقيت الدخول |
غالبًا بعد ارتفاع الأسعار |
دخول مبكر بناءً على تحليل |
العاطفة |
يتأثر بالحماس أو الخوف |
منضبط ويعتمد على خطة |
التنويع |
يستثمر أمواله في عدد محدود من الأسهم |
يوزع استثماراته على قطاعات متعددة |
أفق الاستثمار |
قصير المدى |
طويل المدى |
أبرز الأخطاء التي يقع فيها المستثمرون:
الدخول المتأخر والانجذاب للضجيج الإعلامي: يقع الكثيرون في فخ الدخول إلى السوق بعد أن تكون الأسعار قد بلغت ذروتها، مدفوعين بالضجيج الإعلامي والإثارة اللحظية حول أسهم معينة، دون تقييم جوهري لقيمتها أو إمكاناتها المستقبلية.
العواطف كمحرك للقرارات: الاستثمار الذي تحركه العواطف غالبًا ما ينتهي بخيبة أمل. الخوف من فقدان فرصة يحفز الشراء عند القمم، بينما يؤدي الذعر عند الهبوط إلى عمليات بيع متسرعة في أدنى المستويات.
ضعف التنويع وسوء توزيع الأصول: حصر الاستثمارات في قطاع واحد أو عدد محدود من الأصول يزيد من مخاطر التعرض لتقلبات السوق الحادة. التنويع المدروس للأصول هو حائط الصد الأمثل لحماية رأس المال.
التداول السريع والملاحقة العاطفية: سهولة الوصول إلى منصات التداول الحديثة شجعت على ممارسات تداول مفرطة وسريعة، تحول معها الكثير من المستثمرين إلى مقامرين يلاحقون المكاسب اللحظية بدلًا من بناء استراتيجية استثمارية طويلة الأجل.
سوء فهم المخاطر: يفتقر العديد من المستثمرين الجدد إلى فهم حقيقي للمخاطر الكامنة في الاستثمار. يدخلون السوق بتوقعات وردية وغير واقعية، ليصطدموا بحقيقة تقلبات السوق ويمنىوا بخسائر فادحة.
و لتجنب الوقوع في هذه الأخطاء الشائعة، يجب على المستثمر أن يتبنى خطة استثمارية واضحة ومدروسة، بعيدًا عن التأثر بالعواطف أو الضجيج الإعلامي.
يجب أن تستند القرارات الاستثمارية إلى أهداف محددة وفهم عميق للمخاطر المحتملة. كما أن تنويع المحفظة الاستثمارية يعد خطوة حاسمة لتقليل المخاطر.
والأهم من ذلك، يجب على المستثمر مقاومة إغراء التداول المفرط والالتزام بمنظور طويل الأجل، متجنبًا القرارات المتسرعة.
يتطلب النجاح في عالم الاستثمار القدرة على تجاهل الضغوط الإعلامية والتركيز على التحليل المنطقي والعقلاني. فالأسواق لا تكافئ الحماس اللحظي، بل تثمن الرصانة والانضباط. والتمسك بمنهج الاستثمار طويل الأجل يمنح المستثمر فرصة الاستفادة من قوة العوائد المركبة.
في الختام، إذا كنت تطمح لتحقيق النجاح في الأسواق المالية، عليك أن تتسلح برؤية واضحة تستند إلى المعرفة والفهم العميق لآليات السوق، بدلًا من أن تكون مجرد صياد للاتجاهات والفرص العابرة.