كيف تستعد الصين للرئيس الأمريكي القادم وسط التشدد الديمقراطي وتهديدات ترامب؟
ظل توتر العلاقات الثنائية، سواء المعلنة أو ما يدور في الكواليس، بين الصين والولايات المتحدة إحدى السمات الرئيسية في النظام العالمي المعاصر بشقَّيه السياسي والاقتصادي.
واستمر هذا التوتر خلال ولاية الرئيس “جو بايدن” كما كان الحال عليه أثناء حكم سابقه الجمهوري والمرشح للانتخابات القادمة “دونالد ترامب” الذي هدد علانية مراراً وتكراراً بتوسعة نطاق حربه التجارية مع الصين حال فوزه.
وبعد انسحاب “بايدن” من السباق الرئاسي، وإعلان نائبته “كامالا هاريس” الترشح لخلافته، بدا واضحاً للعيان أنها سوف تتبع سياسات مطابقة إلى حد كبير، منها نهج الحزب الديمقراطي الرامي لمواصلة سياسة احتواء الصين.
وبين تهديدات “ترامب” والسياسات الحمائية التي اتبعتها الإدارة الديمقراطية الحالية تجاه الصين، يتضح أن ملف الحرب التجارية من بين أبرز التحديات التي سوف تواجه بكين على مدار السنوات الأربع القادمة.
ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، فهناك قضية تايوان الأكثر حساسية التي ظلت إحدى محددات السياسة الأمريكية تجاه الصين على صعيد مؤسسات صناعة القرار بغض النظر عن الانتماء الحزبي للرئيس، والشاهد أن كلا الطرفين يعتبر هذا الملف وثيق الارتباط باعتبارات السيادة سواء العالمية أو الإقليمية والمحلية.
ويبدو أن السياسات المتوقع اتباعها من قبل “ترامب” في هذا الملف تسمح للصين بمجال أكبر للمناورة، حيث ذكر في لقاء مع وكالة “بلومبرج” في يوليو الماضي أن تايوان عليها دفع مقابل حمايتها من قبل الولايات المتحدة التي تمدها بالدعم السياسي والعسكري في مواجهة بكين.
وهذا النهج ليس بجديد على “ترامب” الذي سعى خلال فترة توليه الرئاسة إلى تقليص الدعم الأمريكي إلى الحلفاء على غرار حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ما أثار استهجان قادة الدول الغربية التي لا تؤيد فوزه بولاية ثانية.
اتخذت الولايات المتحدة تحت قيادة “بايدن” و”هاريس” خطوات واسعة النطاق لاحتواء التقدم التكنولوجي والعسكري للصين، بداية من تقييد صادرات التقنيات المتقدمة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ومعدات إنتاج أشباه الموصلات المتطورة، وصولاً إلى فرض قيود جمركية إضافية على واردات المعادن النادرة، والسيارات الكهربائية، والألواح الشمسية، ورافعات تفريغ السفن بزعم حماية الأمن القومي.
الأمر الذي دفع الصين إلى توجيه كافة جهودها نحو إحداث تحول في نموذجها للنمو الاقتصادي سمَّته “التنمية عالية الجودة”، فبعدما كانت الصين تركز على تحقيق نمو اقتصادي سريع وبأي ثمن معتمدة على قطاعات تقليدية مثل الصناعة بكافة مجالاتها، والأسواق العقارية، والتجارة، والاستثمار؛ صارت تركز على بناء اقتصاد أكثر مرونة مبني على الابتكار.
وتهدف استراتيجية النمو الجديدة في الصين إلى خلق اقتصاد قادر على التعاطي مع المشكلات الجيوسياسية طويلة الأمد، فمنذ ظهور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على الساحة العالمية، حاولت الولايات المتحدة عرقلة التقدم الصيني في هذا الصدد، وحظرت التعامل مع شركات صينية كبرى مثل صانعة الإلكترونيات “هواوي”، ومنعت شركاتها التكنولوجية المحلية من تقديم خدماتها لها.
علاوة على ذلك، حشدت أمريكا حلفاءها من الغرب لاتخاذ خطوات مماثلة، مثل إلغاء دول أوروبية مشروعات لشبكات اتصالات الجيل الخامس تعاقدت عليها مع “هواوي”، وتوجيه بلدان مثل هولندا واليابان بمنع تصدير معدات صناعة الرقائق المتقدمة إلى الصين.
وبين هذا وذاك، يمكن تلخيص المحاور الرئيسية المحددة لسياسة الصين خلال الدورة الرئاسية الأمريكية القادمة، وأبرز نقاط الاشتباك المحتملة بين أكبر قوتين على مستوى العالم على النحو التالي:
أبرز المحاور الرئيسية المحددة للسياسات الصينية خلال الدورة الرئاسية الأمريكية القادمة |
|
المحور |
التوضيح |
إعادة هيكلة النموذج الاقتصادي |
تسعى الصين في المرحلة الراهنة لبناء اقتصاد أكثر قوة يعتمد على قطاعات متنوعة وغير تقليدية، وهي لا تستهدف بذلك الحفاظ على استدامة النمو فحسب، بل زيادة مستويات التعليم والرفاهية في مجتمعها بعدما كانت هذه الإشكالية من أبرز نقاط الخلاف بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي. من ناحية أخرى، يضمن هذا التنوع الاقتصادي للصين مزيداً من القدرة على التحمل في مواجهة الصدمات الجيوسياسية، وعدم اضطراب سير العملية الاقتصادية والتنموية بغض النظر عن القيود الغربية سواء القائمة أو المحتملة. |
بناء توازنات وتحالفات جديدة في الشرق والجنوب |
تتوافر في الوقت الراهن كافة مسببات نشوب صراع عسكري بين الصين وأمريكا فيما يتعلق بقضية استقلال تايوان. مع تعزيز واشنطن تدابير الردع الخاصة بها حال اندلاع الصراع مع بكين، زاد نشاط الصين في الآونة الأخيرة لبناء تحالفات وثيقة مع دول الشرق والجنوب العالمي في محاولة لخلق توازن في القوى، وحشد مزيد من التأييد الدولي. لا يقتصر الأمر على تعزيز القدرات العسكرية فحسب، بل يمتد إلى توسعة بكين مناطق نفوذها الاقتصادي والسياسي في بقية مناطق العالم، في نهج يشبه بعض الشيء سياسة ملء الفراغ التي ابتكرتها الولايات المتحدة بالأساس. |
تطوير وحشد القدرات التكنولوجية المحلية |
لتحقيق المستهدفات السياسية والاقتصادية والعسكرية السالف ذكرها، ينصب تركيز الصين حالياً على الوصول للاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بالإمكانات التكنولوجية والقدرة على تطويرها في المستقبل. هذا من شأنه أن يضمن لها ميزات إضافية مثل التوسع في الأسواق الخارجية بمنتجات تكنولوجية تنافس التقنيات الغربية، وتعزيز صورة الصين باعتبارها قوة رائدة في هذا المجال. |
محاولة دفع العلاقات مع أمريكا نحو الاستقرار |
لا تقتصر إدارة الصراعات الدولية على حشد القدرات أو مناصبة القوى الأخرى العداء، بل ينطوي كل صراع على أدواته الخاصة للتوصل إلى حل. في ظل حتمية التشدد الأمريكي تجاه الصين سواء فاز “ترامب” أو “هاريس”، من المرجح أن الصين سوف تحرص على عدم التصعيد، أو محاولة تقليص الأضرار الناجمة عن تداعي العلاقات مع الولايات المتحدة بتعبير آخر. فمن ناحية، تحرص القوى العالمية الكبرى على رأب التصدعات الموجودة في النظام الدولي من منطلق المسؤولية وعدم انزلاق العالم نحو الفوضى، وموازنة احتياجاتها المحلية ومقتضيات الأمر الواقع مع مجريات النزاعات. من ناحية أخرى، سوف تحرص الصين على الحفاظ على المكتسبات الاقتصادية التي حققتها خلال العقود الأخيرة، ومن المرجح أن تسعى لتغليب المصلحة الاقتصادية التي تعد ركناً أساسياً بالنسبة لشرعية النظام السياسي، في إطار يحفظ لها أهدافها السياسية طويلة المدى ومنها قضية تايوان التي تتعامل معها بكين من منظور السيادة القومية. |