فجوة الدعم: الحرب الصامتة التي تُهدر طاقات الموظفين وتقتل الإبداع

في قلب أي مؤسسة حديثة، لا تدور المعارك الحقيقية في الاجتماعات الرسمية أو عبر تقارير الأداء، بل في التفاصيل الصغيرة التي لا يراها الكثيرون؛ في المساحات الخفية حيث تتآكل روح الفريق وتبدأ العقول المبدعة بالرحيل دون ضجيج.
هذه المعركة غير المعلنة تحمل اسمًا واضحًا: “فجوة الدعم”، وهي الأزمة التي تعمّق شعور الموظفين بالاغتراب وتقلل من ولائهم، رغم تعدد المبادرات التي تُعلن على أنها داعمة.
يرتكز مفهوم الدعم داخل المؤسسات أحيانًا على كميته أو مدى تكراره، لا على مدى تلبية الدعم للاحتياج الحقيقي للموظف في اللحظة الحرجة.
هنا تنشأ المشكلة: القائد يمنح ما يعتقد أنه مناسب أو ما أثبت فعاليته له شخصيًا، بينما الموظف ينتظر نوعًا آخر من الدعم.
يُعرف هذا التناقض في علم النفس التنظيمي بـ”فجوة الدعم”، وهي فجوة تعكس عدم تطابق ما يُقدّم مع ما يحتاجه الموظف، مما يسبب شعورًا بالخذلان وفقدان الأمان العاطفي داخل بيئة العمل.
يشبه الدعم في بيئة العمل لغة ذات لهجات عدة، يجب على القائد التمييز بينها لاختيار اللهجة المناسبة للموظف:
-
اللهجة الوجدانية: الإنصات والتعاطف الحقيقي.
-
اللهجة المعلوماتية: تقديم الإرشادات العملية والنصائح.
-
اللهجة العملية: المشاركة الفعلية في تخفيف الأعباء.
-
لهجة التقدير: تأكيد القيمة والكفاءة للموظف.
تكمن الأزمة حين يتحدث المدير بـ”لغة العقل” بينما ينتظر الموظف “لغة القلب”.
لنتخيل موظفًا يعاني من ضغوط شخصية تؤثر على أدائه، فيبادر المدير بتقديم نصائح تقنية لتحسين الكفاءة أو إعادة توزيع مهامه.
3 استراتيجيات لتواصل بنّاء |
||
1- اكتساب البصيرة القيادية بالتدريب |
|
– يجب تسليح المديرين ببرامج تدريبية عملية تصقل مهارتهم في إدارة حوارات الدعم، وتساعدهم على تجاوز تفضيلاتهم الشخصية، وتعزز وعيهم الذاتي، وتمنحهم الثقة لطرح الأسئلة الصائبة التي تكشف عن الاحتياجات الحقيقية لموظفيهم. |
2- القاعدة الثلاثية للتواصل الفعّال (لاحظ، بادر، اسأل) |
|
– قبل أن تبادر إلى تقديم الدعم الذي تراه مناسبًا، توقف. اتبع هذه القاعدة البسيطة: – لاحظ: انتبه لزميلك أو موظفك وأظهر اهتمامك. – بادر: اعترف بأنك ترى أنه يمر بوقت عصيب، وعبر عن رغبتك الصادقة في دعمه. – اسأل: اطرح السؤال الجوهري: “كيف يمكنني أن أقدم لك أفضل دعم ممكن في الوقت الحالي؟” إن مجرد الاعتراف بتجربة الشخص ورغبتك في مساعدته بالطريقة التي يرتضيها هو في حد ذاته أقوى أشكال الدعم. |
3- تحويل جلسات المراجعة إلى منصات للدعم |
|
تُعقد جلسات المراجعة عادةً لمناقشة النتائج والجوانب التقنية. لمَ لا نخصص جزءًا منها لمناقشة “منظومة الدعم” نفسها؟ يمكن للمدير أن يسأل: “هل شعر الجميع بالدعم الكافي خلال هذا المشروع؟ كيف يمكن تحسين ذلك في المرة القادمة؟” إن هذا من شأنه أن يحول الدعم من مفهوم معنوي غامض إلى بند عملي قابل للقياس والتحسين المستمر. |
ولكن ما يحتاجه الموظف حقًا هو شعور بأن ألمه مرئي ومفهوم، قد تكفي كلمات بسيطة مثل: “أنا هنا لأجلك”.
حين يفشل الدعم في هذه الدقائق الإنسانية، يتحول من جسر تواصل إلى جدار حواجز.
تتغذى فجوة الدعم على ثلاثة عوامل رئيسية:
-
الإسقاط الذاتي: القائد يفترض أن ما يناسبه يناسب الجميع.
-
العقلية الجامدة: استخدام مقولات مثل “الجميع مر بهذا” لرفض الاستماع بعمق.
-
الهروب للحلول السريعة: تفضيل الحلول العملية الفورية على فهم السياق النفسي.
وعندما تتكرر هذه التجارب، يبدأ الموظف بالانسحاب النفسي تدريجيًا، ويبدأ بتعميم شعوره، معتبراً المؤسسة بيئة غير داعمة.
لا يكفي تقديم الدعم فقط، بل يجب أن يكون الدعم في نوعه ووقته وطريقته مناسبًا. ولتحقيق ذلك:
-
استمع بصدق: لا تفترض حاجات الموظف، بل اسأله بعمق.
-
تنوع في أساليب الدعم: استخدم اللهجات المختلفة حسب الحاجة.
-
عزز ثقافة الصراحة: اجعل الحديث عن الدعم النفسي أمرًا معتادًا وليس محظورًا.
-
في بيئة عمل تتغير بسرعة، تفوز المؤسسات التي تخلق مساحة يشعر فيها الموظف بالانتماء الحقيقي، حيث يسمع صوته، وتُفهم احتياجاته، ويُعترف بألمه.
إنّ الدعم الحقيقي ليس ترفًا، بل هو ضرورة استراتيجية للحفاظ على الطاقات والمهارات، وبناء مستقبل مستدام للمؤسسة.