عصر الشراهة للطاقة: صراع من أجل البقاء في عالم تتحكم فيه الآلات والعملات المشفرة
في المستقبل البعيد، قد يشهد العالم عصرًا جديدًا من “الشراهة للطاقة”، حيث تتطلب تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي ومراكز تعدين العملات المشفرة كميات ضخمة من الكهرباء، التي تصبح أغلى من الذهب.
هذه الزيادة في استهلاك الطاقة تأتي بالتزامن مع محاولات سياسية للابتعاد عن الوقود الأحفوري، ما يجعل من الطاقة موردًا نادرًا وثمينًا.
في هذا المستقبل المتخيل، ترتفع ناطحات السحاب المضيئة في المدن الكبرى التي تعمل على مدار الساعة بفضل الأنظمة الذكية، بينما تعيش بقية المناطق في ظلام دامس، ويكتفي السكان بحصص قليلة من الطاقة لا تكاد تكفي للاحتياجات الأساسية. وبطاريات شمسية قديمة تصبح وسيلتهم الوحيدة للإضاءة في الليل.
بطل القصة “إكس” هو سمسار أسهم سابق عاش أيامًا من النجاح في أسواق المال، لكنه أصبح الآن شخصًا عاديًا يعيش في “مناطق الظل”، بعيدًا عن المدن الذكية المضيئة، بعدما حل الذكاء الاصطناعي محل البشر في العديد من وظائفهم.
و في المقابل، يوجد النظام الذكي القوي “فوكس” الذي يدير أنظمة الطاقة في هذا العالم الجديد، وهو ليس مجرد نظام تقني، بل آلة قمعية تقرر من يحصل على الطاقة ومن يُحرم منها، في حين تستسلم الطبقات الثرية لقراراته، بحجة أنه “يختار الأفضل”.
“إكس” يُستدعى للعمل في منطقة “واحة الطاقة”، وهي منطقة سرية تحت سيطرة الآلات بالكامل، حيث يتم استخراج الطاقة من مصادر قديمة لم يعد يعرفها السكان.
تطور استهلاك العالم من الطاقة |
|||||
العام |
|
حجم الاستهلاك (تيراواط) |
|
أبرز مصادر مزيج الطاقة (%) |
|
1800 |
|
5653 |
|
– الكتلة الحيوية (98%) – الفحم (2%) |
|
1850 |
|
7791 |
|
– الكتلة الحيوية (92%) – الفحم (8%) |
|
1900 |
|
12131 |
|
– الكتلة الحيوية (50%) – الفحم (47%) – النفط (3%) |
|
1950 |
|
28564 |
|
– الفحم (44%) – الكتلة الحيوية (26%) – النفط (19%) |
|
2000 |
|
122868 |
|
– النفط (35%) – الفحم (22%) – الغاز الطبيعي (19%) |
|
2023 |
|
183230 |
|
– النفط (30%) – الفحم (25%) – الغاز الطبيعي (22%) |
يتم تجنيد أشخاص من “مناطق الظل” للعمل هناك مقابل وعد بتزويد قُراهم بالطاقة. وخلال عمله في هذه الواحة، يكتشف “إكس” حجم الشراهة التي تستهلك بها المدينة موارد الطاقة لصالح النخبة، وتكشف له أسرار كيفية تشغيل نظام “فوكس” وسيطرته على توزيع الطاقة.
هذه القصة هي من وحي خيال الذكاء الاصطناعي، وهو يطرح رؤية دراماتيكية لمستقبل قد يصبح واقعًا إذا استمرت التقنيات المتعطشة للطاقة، مثل الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة، في التوسع.
و شهدت أنظمة الطاقة العالمية تحولات كبيرة منذ الثورة الصناعية، حيث زاد الاستهلاك بشكل كبير خلال القرن الماضي.
إن الطلب على الطاقة يزداد في العديد من البلدان، لكنه يختلف بشكل غير متناسق بين الدول الغنية والفقيرة. في حين أن نمو الاستهلاك يزداد، فإن الانتقال إلى مصادر طاقة منخفضة الكربون أصبح أكثر صعوبة.
في عام 2023، كانت الصين أكبر مستهلك للطاقة في العالم، تليها الولايات المتحدة والهند. وبالرغم من أن الطلب العالمي على الطاقة تباطأ في السنوات الأخيرة، إلا أن التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي وتعدين العملات المشفرة، تُتوقع أن تُطلق طفرة غير مسبوقة في استهلاك الطاقة.
و في عام 2022، بلغ إجمالي استهلاك الطاقة لمراكز البيانات، وتعدين العملات المشفرة، والذكاء الاصطناعي حوالي 460 تيراواط/ ساعة، ويُتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى أكثر من الضعف بحلول عام 2026.
و في الولايات المتحدة، كانت مراكز البيانات تشكل 2.5% من استهلاك الطاقة في 2023، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم ثلاث مرات بحلول نهاية العقد.
تتطلب الخوادم التي تشغل الذكاء الاصطناعي أكثر من 500 ألف خادم، مما يؤدي إلى استهلاك ضخم للطاقة.
وقد تُسجل خوادم الذكاء الاصطناعي استهلاكًا سنويًا يصل إلى 134 تيراواط/ ساعة بحلول 2027.
تعدين البيتكوين يستهلك حوالي 112.31 تيراواط/ ساعة سنويًا، وهو ما يعادل استهلاك الكهرباء السنوي في هولندا.
فقر الطاقة هو نقص الطاقة الكافية للاحتياجات الأساسية مثل الإضاءة والطهي والتدفئة. وفقًا لتقرير الأمم المتحدة، يعاني 1.18 مليار شخص من فقر الطاقة.
في ظل هذا الوضع، تصبح الدعوات للتخلي عن الوقود الأحفوري غير عملية في بعض البلدان، كما يبرز الرئيس التنفيذي لشركة “شل” هذه الحقيقة عندما يؤكد أن التحول العادل إلى الطاقة المتجددة يجب أن يشمل الجميع.
هل يمكن أن يكون هذا مستقبلًا حقيقيًا؟
القصة التي تتناول “إكس” و”فوكس” ليست مجرد خيال علمي، بل هي تجسيد محتمل لمستقبل قد يشهد انعدام العدالة في توزيع الموارد الأساسية.
وفي النهاية، يظل السؤال: هل سينقلب العالم إلى هذه الحالة من الشراهة للطاقة، حيث تتنافس التقنيات المتقدمة على الموارد على حساب البشر؟