ظاهرة البطيخ في الشركات: كيف تخفي المظاهر اللامعة حقائق قاتمة؟

في كثير من الأحيان، تلجأ إدارات بعض الشركات إلى إخفاء الحقيقة عندما تبدأ الأمور في الانحدار، بدافع الحفاظ على صورة الشركة وحماية مصالحهم الوظيفية، وكذلك تفادي انهيار قيمة الأسهم الذي قد يؤدي إلى خسائر جسيمة وربما الإفلاس.
هذه الظاهرة تُعرف في عالم المال بـ”أثر البطيخ” (Watermelon Effect)، حيث يظهر الأداء الخارجي للشركة صحيًا ومبشرًا (أخضر) بينما يكون الوضع الداخلي متردياً وخطيراً (أحمر) تمامًا كما هو شكل البطيخ.
في يونيو 2020، صدمت الأسواق الأوروبية بخبر اختفاء 1.9 مليار يورو من أموال شركة التكنولوجيا المالية الألمانية “وايركارد”، والتي زُعمت أنها موجودة في حسابات بنكية بالفلبين لكنها لم تكن موجودة أصلًا.
قبل هذه الفضيحة، كانت “وايركارد” من قصص النجاح النادرة، حيث وصلت قيمتها السوقية إلى 22.5 مليار يورو وكانت ضمن مؤشر داكس 30 الألماني. بعد الإعلان عن الفقدان، انهار سعر السهم بنسبة تجاوزت 85% خلال أيام، وانتهى الأمر بإفلاس الشركة.
هذا الانهيار تسبب في تدمير ثروات آلاف المستثمرين، ومن بينهم مؤسسات كبرى مثل “سوفت بنك” التي خسرت مئات الملايين. رغم أن الشكوك كانت قد بدأت منذ 2015 عبر تقارير استقصائية تشير إلى مخالفات، ظلت الشركة تنفي هذه الاتهامات بشدة.
قبل “وايركارد” بخمس سنوات، شهدت اليابان فضيحة محاسبية هزت شركة “توشيبا”، حيث تم تضخيم أرباح تشغيلية تجاوزت 1.2 مليار دولار على مدى سبع سنوات.
هذه الممارسات جاءت نتيجة ضغوط لتحقيق أرباح ضمنية خلال فترة أزمة مالية عالمية، وانتهت باستقالات جماعية وانخفاض حاد في قيمة الأسهم.
أما في الصين، فشركة “لوكين كوفي” حققت نموًا سريعًا وأدرجت في مؤشر “ناسداك” خلال أقل من عامين، لكن في 2020 كشفت تحقيقات عن تزوير واسع في الإيرادات بمئات الملايين من الدولارات، مما أدى إلى انهيار سهمها وخسائر فادحة، إضافة إلى فرض غرامات مالية كبيرة.
المشترك في هذه الفضائح هو أن الشركات بدت من الخارج ناجحة ومربحة، مما جذب المستثمرين بثقة زائدة. إلا أن المظهر الخارجي كان مجرد واجهة تخفي وراءها ممارسات مالية غير قانونية أو مضللة.
وغالبًا ما يكون من الصعب كشف هذه الخفايا مبكرًا بسبب تضليل التقارير المالية أو رفض الشركات التعاون مع المدققين.
لمواجهة خطر “أثر البطيخ”، يجب على المستثمرين والمحللين الماليين توسيع نظرتهم أبعد من الأرقام الظاهرة. لا يكفي الاعتماد على نمو الأرباح فقط، بل يجب تقييم جودة هذه الأرباح ومدى دعمها بالتدفقات النقدية التشغيلية الحقيقية.
كما يجب مراقبة المؤشرات غير المالية مثل الاستقالات المفاجئة، تغيرات المدققين، أو تأخيرات في التقارير المالية.
أيضًا، المتابعة المستمرة للتحقيقات الصحفية والمصادر المستقلة تساعد في كشف المخالفات قبل تفاقمها. فالشركات التي تبدو مثالية قد تخفي في داخلها أزمات هيكلية لا تظهر إلا بعد أن يكون الأوان قد فات.