طموحات أميركية في غرينلاند: بين المعادن النادرة والاستراتيجيات الجيوسياسية
لم يكن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي على وشك تولي منصبه مجددًا، خجولًا في التعبير عن اهتمامه “بشراء” جزيرة غرينلاند، مما أثار تساؤلات حول دوافعه.
وبينما قد تكون المعادن النادرة جزءًا كبيرًا من الأسباب وراء هذا الاهتمام، إلا أن ترمب ليس الرئيس الأميركي الأول الذي يفكر في الاستحواذ على هذه المنطقة الاستراتيجية. تاريخ طويل من المحاولات الأميركية يجعلنا نتساءل عما إذا كان هذا التحرك سيحقق النجاح في نهاية المطاف.
أقدم محاولة معروفة من قبل الولايات المتحدة لشراء غرينلاند كانت في عام 1868. ومع مرور الزمن، أعادت الإدارة الأميركية النظر في هذا الخيار، حيث طرح الرئيس هاري ترومان الفكرة في خمسينيات القرن الماضي، ثم أضاف دونالد ترمب نفسه هذه الفكرة في عام 2009.
و رغم ذلك، لم تثمر هذه المبادرات عن أي تقدم ملحوظ باستثناء إلغاء زيارة كان من المقرر أن يقوم بها ترمب إلى الدنمارك.
منذ البداية، كانت الحوافز الأميركية في هذا الاتجاه تتعلق أساسًا بالاعتبارات التجارية والاستراتيجية. ومع تجدد الاهتمام في عهد ترمب، أصبح من الواضح أن هناك أيضًا بعدًا جديدًا يتعلق بالأمن القومي، إلى جانب تلك الدوافع التقليدية.
في النهاية، تقع غرينلاند على بعض أكبر رواسب المعادن النادرة في العالم، مثل النيوديميوم والديسبروسيوم والسكانديوم، وهي معادن أساسية في صناعة أجهزة الكمبيوتر، الهواتف المحمولة، بطاريات السيارات الكهربائية، وأجهزة الطواحين الهوائية، بالإضافة إلى صناعة الدفاع.
تعد غرينلاند موطنًا لبعض من أغنى رواسب المعادن النادرة في العالم، بما في ذلك معدن اليورانيوم، الذي يُستخدم في التطبيقات النووية.
وقد أشار ترمب سابقًا إلى أن غرينلاند مهمة من منظور “الأمن القومي”، مما يعكس الأهمية المتزايدة لهذه المعادن في المستقبل، وخاصة في ظل الابتكارات التكنولوجية مثل السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة.
حاليًا، تهيمن الصين على معظم إنتاج ومعالجة المعادن النادرة، حيث تمتلك حوالي 70% من إجمالي الإنتاج العالمي، وتعالج 90% من هذه المعادن.
كما أن الصين تسيطر على نحو 99% من المعادن النادرة الثقيلة، التي تعتبر أساسية في العديد من الصناعات التكنولوجية. وعلى الرغم من وجود رواسب كبيرة من هذه المعادن في دول أخرى مثل أستراليا وكندا، فإن الهيمنة الصينية على هذا القطاع تجعل من الصعب تنويع سلسلة التوريد العالمية.
لم تقتصر الصين على التحكم في إمدادات المعادن النادرة فقط، بل قامت أيضًا بفرض حظر على تصدير التقنيات المستخدمة لاستخراج هذه المعادن.
ومع ذلك، لا تزال الدول الأخرى تواجه تحديات كبيرة في منافسة الهيمنة الصينية، بسبب الدعم الحكومي الكبير لعمال المناجم في الصين، بالإضافة إلى ضخامة احتياطياتها الاقتصادية.
نظرًا للسيطرة الصينية على المعادن النادرة، تسعى الولايات المتحدة إلى تأمين موارد بديلة لقطع الطريق على النفوذ الصيني المتزايد. غرينلاند تمثل فرصة استراتيجية لها في هذا السياق، حيث يمكن أن يعزز الوصول إلى مواردها من أمن سلسلة التوريد الأميركي ويقلل من الاعتماد على الصين.
في الوقت نفسه، تدرك الولايات المتحدة تمامًا النشاط المتزايد لروسيا في منطقة القطب الشمالي، والتي تشمل المعادن النادرة وكذلك النقل البحري عبر طريق البحر الشمالي، الذي يمتد من بحر بارنتس شمال فنلندا إلى مضيق بيرينغ.