اقتصاد المغرببورصة الدار البيضاء

طفرة استثمارية غير مسبوقة.. القطاع الصحي المغربي يخطف الأضواء في بورصة الدار البيضاء

لقد شهد القطاع الصحي في المغرب خلال سنوات قليلة تحوّراً جذرياً من كونه محطّة ثانوية في مسار المستثمرين إلى وجهة أساسية تتسم بالنمو المتواصل والإمكانات الواعدة.

ففي بدايات العقد الحالي، كان يُنظر إلى المستشفيات الخاصة والعيادات المتخصصة على أنها خدمات ضرورية لا أكثر، تعاني من ضعف البنية التحتية وندرة التمويل.

أما اليوم، فقد باتت شركات مثل «أكديطال» و«فيسين» تحمل راية التغيير، وتنعكس نتائج إدراجهما في بورصة الدار البيضاء على انطلاق ديناميات استثمارية متسارعة.

بحسب «فينونس نيوز»، جذبت عملية طرح أسهم «فيسين» أكثر من 37 ألف مكتتب، مع ارتفاع الطلب على الأسهم خمس مرات عن العرض، رغم أن القيمة الإجمالية للعملية لم تتجاوز 500 مليون درهم.

ويعزى ذلك إلى تعزيز الثقة بمقومات القطاع، سواء على صعيد الكثافة السكانية التي تشهد مسناً متزايداً، أو على مستوى التطوّر التنظيمي والتقني الذي يُعيد تشكيل خارطة الخدمات الطبية.

امتداداً لهذه الطفرة، ارتفع عدد المصحات الخاصة من 375 منشأة عام 2020 إلى 453 منشأة بحلول 2024، ما رفع حصتها من الطاقة الاستيعابية الوطنية إلى 40% بعد أن كانت لا تتجاوز 28%.

كما توجّهت الاستثمارات نحو تخصصات طبية متقدمة، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي، والبيولوجيا الجزيئية، والتدخل الإشعاعي، ما مكّن «فيسين» من تحقيق موطئ قدم استراتيجي في هذه المجالات.

على الصعيد الجغرافي، تتسابق الشركات الكبرى لتوسيع نطاقها خارج المغرب؛ فبينما تتجه «أكديطال» نحو أسواق الشرق الأوسط، ترسّخ «فيسين» حضورها في دول غرب إفريقيا، لا سيما في السنغال وساحل العاج، مما يمنح المستثمرين فرصاً للتنويع بين الأسواق الإقليمية.

لا يغفل هذا التطور الطبي الأنماط السكانية المتغيرة، حيث ارتفع متوسط عمر المغربي وتراجع معدل الإنجاب، ليصبح الطلب على الرعاية طويلة الأمد والخدمات المتخصصة ضرورة ملحّة.

وفي ردّ فعل حكومي، ارتفعت اعتمادات قطاع الصحة من 16.3 مليار درهم في 2019 إلى 32.6 ملياراً متوقعة في 2025، بنمو سنوي يقارب 12.2%، مدعومة بخطة «صحة 2025» التي خصّصت 24 مليار درهم لتحديث المرافق، منها 14 ملياراً لقطاع المستشفيات.

على مستوى التغطية، أحدث تعميم التأمين الإجباري عن المرض نقلة نوعية، إذ بات أكثر من 70% من المواطنين مشمولين بخدمات صحية مدعومة، ما حرّك سوقاً منظمة ينبض بها القطاع الخاص.

كذلك، حفّزت المجموعات الصحية الترابية والإصلاحات التنظيمية توزيع الموارد وتحسّن التنسيق بين الجهات.

ورغم هذه المكاسب، لا تزال نسبة الأسرة في المغرب تصل إلى 12.8 سريراً لكل 10 آلاف نسمة، في حين يبلغ متوسط منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 15، ومتوسط دول منظمة التعاون الاقتصادي نحو 46.

وفي المناطق النائية مثل الداخلة وادي الذهب، يشكل نقص البنية الصحية فرصاً للاستثمار في البناء والتجهيز والتكوين، حيث يسعى المستثمرون لردم الفجوات.

في البورصة، بات قطاع الصحة نجماً ثابتاً، يستقطب المستثمرين الباحثين عن عوائد مستدامة مبنية على حاجات هيكلية لا تندثر مع الأزمات. ورغم التساؤلات حول التقييمات الأولية لبعض الشركات، فإن نظرة الأجل البعيد والمقومات الصلبة للقطاع تشجع على الثبات على المراكز.

إن الأداء القوي لسهم «أكديطال» وسط تقلبات الأسواق العالمية يثبت اليوم أن الصحة في المغرب ليست مجرد خدمة، بل استثمار طويل المدى يضمن ثلاثية النجاح: نمو مطرد، وضوح استراتيجي، وصلابة أسس اقتصادية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى