ضريبة الكربون الأوروبية تهدد الميزة التنافسية التاريخية للنسيج المغربي

اعتمد قطاع النسيج المغربي لسنوات طويلة على ميزة تنافسية رئيسية: انخفاض تكاليف الأجور. هذا العامل مكنه من ترسيخ مكانته كشريك أساسي في سلاسل التوريد الأوروبية، ومنافس قوي لدول مثل تركيا وتونس ورومانيا.
ولكن، مع التغيرات المتسارعة في الاقتصاد العالمي، يواجه هذا النموذج التقليدي تحدياً جديداً يهدد استمراريته: البصمة الكربونية.
فمع اقتراب الاتحاد الأوروبي من تطبيق آلية تعديل الكربون على الحدود، لم تعد تكلفة الإنتاج تُقاس فقط بالأجور، بل أصبحت تشمل التأثير البيئي لكل مرحلة من مراحل التصنيع والنقل.
تُظهر دراسة ألمانية حديثة أن الفارق في تكلفة الأجور لا يزال كبيراً؛ فساعة العمل في المغرب تكلف 2.4 يورو، مقابل 4.1 يورو في تركيا و4.2 يورو في رومانيا و12.3 يورو في ألمانيا.
ولكن هذه الميزة النظرية تتضاءل بشكل كبير عند احتساب تكلفة الكربون الناتجة عن النقل. على سبيل المثال، تنتج شاحنة تنقل البضائع من طنجة إلى برلين حوالي 3,208 كغ من ثاني أكسيد الكربون، ما يعادل نحو 320 يورو إضافية.
في المقابل، تسجل تركيا 2,922 كغ (292 يورو) ورومانيا 1,496 كغ فقط (150 يورو)، مما يقلص من التفوق التنافسي للمغرب.
تتجاوز المشكلة مسألة النقل لتشمل عوامل أخرى تزيد من البصمة الكربونية، مثل اعتماد القطاع على استيراد 85% من المواد الأولية.
علاوة على ذلك، يُعتبر الحد الأدنى للأجور في المغرب أعلى من بعض المنافسين الإقليميين، وهو ما كان يُعتبر إنجازاً اجتماعياً يتحول إلى عبء إضافي عند دمج تكاليف الكربون في الحساب النهائي.
الرسالة واضحة: نموذج “التكلفة المنخفضة” لم يعد كافياً للحفاظ على مكانة المغرب في الأسواق الأوروبية.
لذلك، يحتاج القطاع إلى استراتيجية جديدة ترتكز على الاستثمار في منتجات ذات قيمة مضافة أعلى، واستخدام الطاقة المتجددة، وتطوير الاقتصاد الدائري عبر إعادة تدوير النفايات النسيجية.
اليوم، لم تعد الشركات العالمية الكبرى تقيم فرصها الاستثمارية بناءً على الأجور فقط، بل أصبحت تدمج معايير البيئة والحوكمة الاجتماعية (ESG) في قراراتها.
في هذا السياق، تتحول ضريبة الكربون إلى معيار جديد للتميز بين الشركات المستعدة للتحول والاستثمار في المستقبل، وتلك التي تظل متمسكة بنموذج تقليدي يواجه خطر الانحدار.
إن قطاع النسيج المغربي اليوم أمام خيارين: إما التضحية بميزة تنافسية موروثة، أو تحويل هذا التحدي إلى فرصة لإعادة بناء صناعة أكثر استدامة، قادرة على تلبية متطلبات الأسواق الأوروبية، والتركيز على تقليص الانبعاثات وتعزيز القيمة المضافة.