صحيفة لا غازيتا: التحول نحو المغرب يضع مستقبل الصناعة الإسبانية على المحك

تشهد خارطة الإنتاج الأوروبي للسيارات تحولًا جذريًا يثير قلقًا عميقًا في إسبانيا، مع تصاعد نفوذ المغرب كمركز صناعي جاذب للاستثمارات العالمية الكبرى.
وبدأت شركات السيارات متعددة الجنسيات تنقل جزءًا كبيرًا من عملياتها الإنتاجية تدريجياً نحو شمال إفريقيا، مستفيدة من المزيج المغري الذي يقدمه المغرب: تكاليف تشغيل منخفضة للغاية وبنية تحتية صناعية متطورة.
هذا التحول، الذي سلطت عليه صحيفة “لاغازيتا” الإسبانية الضوء، لا يضع مستقبل المصانع الإسبانية على المحك فحسب، بل يعيد رسم التوازنات الصناعية في حوض المتوسط.
الدافع الأكبر وراء هذا النزوح الصناعي هو الفارق الهائل في تكاليف الإنتاج. وكشفت “لاغازيتا” أن المغرب نجح في استقطاب حصة متزايدة من إنتاج المصانع التي كانت تعمل تقليدياً في إسبانيا، بتكاليف تشغيل تقل بنسبة تصل إلى عشرة أضعاف مقارنة بنظيرتها الإسبانية.
وتبرز الأرقام الفجوة التي تقلق المصنعين الأوروبيين، لا سيما في تكلفة اليد العاملة لكل سيارة مجمعة. فبينما تصل هذه التكلفة إلى حوالي 955 دولارًا في إسبانيا، و3,300 دولار في ألمانيا، فإنها تنخفض في المغرب بشكل مذهل لتصل إلى 110 دولارات فقط.
هذا الانخفاض الهائل، إلى جانب وجود اتفاقيات تجارية تفضيلية مع الاتحاد الأوروبي، يجعل المغرب “مغناطيسًا” للاستثمارات الجديدة.
لم يكن هذا التغيير مفاجئاً بالكامل. فقبل مغادرته، حذر الرئيس التنفيذي السابق لمجموعة “ستيلانتيس” العملاقة لتصنيع السيارات، كارلوس تافاريس، المصانع الإسبانية بضرورة التوقف عن مقارنة نفسها بالمصانع الأوروبية الأخرى، والتركيز بدلاً من ذلك على مراقبة التطورات في المغرب “بقلق”.
ويأتي تحذير تافاريس في الوقت الذي اتخذت فيه “ستيلانتيس” خطوات عملية تؤكد هذا القلق. حيث نقلت المجموعة إنتاج بعض نماذجها الأكثر مبيعاً، مثل “بيجو 208″، إلى مصنعها المغربي.
و لعل المؤشر الأبرز على انتقال مركز الثقل الصناعي هو خطوة إنشاء مصنع للمحركات على الأراضي المغربية. هذا التحول الهيكلي يعني أن المغرب أصبح قادراً على إنتاج المكونات الحيوية، في حين أن إسبانيا لا تصنع حالياً أي محرك لشركة “ستيلانتيس”.
كما استثمر المغرب في تحديث شبكته الصناعية، حيث يُلاحظ النشاط المتزايد لميناء طنجة المتوسط في تصدير السيارات إلى الأسواق الأوروبية، وهو ما يرسخ مكانة المملكة كلاعب منافس وجدّي في السلسلة العالمية لتوريد السيارات.
في ضوء هذه المعطيات، تجد المصانع الإسبانية نفسها أمام تحدٍ وجودي، في محاولة للحفاظ على حصتها السوقية وتفادي تراجع دورها التاريخي في الصناعة الأوروبية لصالح المنافس الصاعد من شمال إفريقيا.




