شريحة عصبية متناهية الصغر من جامعة كورنيل تمهد لعصر جديد من التكنولوجيا الطبية

في إنجاز علمي غير مسبوق، طوّر فريق من الباحثين في جامعة كورنيل الأمريكية شريحة عصبية نانوية تحمل اسم “MOTE”، قادرة على تسجيل نشاط الدماغ ونقله لاسلكيًا لأكثر من عام كامل، ما يمثل قفزة نوعية نحو تطوير جيل جديد من الأجهزة الطبية القابلة للزرع داخل الجسم البشري.
الشريحة، التي لا يتجاوز حجمها 0.3 مليمتر طولًا و0.07 مليمتر عرضًا – أي ما يعادل سُمك شعرة الإنسان تقريبًا – تعتمد على نظام بصري متطور يرسل إشارات الدماغ على شكل ومضات من الأشعة تحت الحمراء، دون أي تدخل سلكي أو ضرر في الأنسجة العصبية.
قاد هذا المشروع البحثي الأستاذ أليوشا مولنار من كلية الهندسة الكهربائية والحاسوبية في جامعة كورنيل، بالتعاون مع سون وو لي من جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، الذي ساهم في تطوير التقنية خلال فترة عمله كباحث ما بعد الدكتوراه في مختبر كورنيل.
وخضعت الشريحة لاختبارات دقيقة، حيث زُرعت داخل أدمغة الفئران في المنطقة المسؤولة عن الإحساس باللمس، وتمكنت من تسجيل الإشارات العصبية بدقة واستقرار لمدة عام كامل، دون التأثير في صحة الحيوانات أو سلوكها الطبيعي.
وتعمل “MOTE” عبر نظام طاقة ضوئي يعتمد على أشعة الليزر الحمراء وتحت الحمراء، التي تخترق أنسجة الدماغ لتوليد الطاقة داخل الشريحة، ثم يعاد إرسال البيانات عبر نبضات ضوئية مشفّرة تُستقبل خارجيًا بواسطة أجهزة تحليل دقيقة.
ويعود أصل الفكرة إلى عام 2001 عندما طرح مولنار تصورًا أوليًا لمستشعر عصبي لاسلكي، لكن القيود التقنية حينها حالت دون تطبيقها. ومع تطور تقنيات النانو والإلكترونيات الضوئية خلال العقد الماضي، أعيد إحياء المشروع وتحويله إلى نموذج فعلي أثبت كفاءته.
وأوضح مولنار أن “الشريحة تمثل أصغر جهاز معروف لقياس النشاط الكهربائي في الدماغ وبثّه لاسلكيًا”، مشيرًا إلى أن طريقة ترميز البيانات المبتكرة تسمح باستهلاك طاقة منخفض للغاية مع الحفاظ على دقة الإشارة واستقرارها.

ويمثل هذا الابتكار تحولًا جذريًا في علم الأعصاب التطبيقي، إذ يمكن أن يتيح مراقبة دقيقة للحبل الشوكي وتطوير أطراف صناعية ذكية تتفاعل مباشرة مع الإشارات العصبية، فضلًا عن استخدامه في تشخيص وعلاج أمراض مثل الصرع، الباركنسون، وألزهايمر من خلال مراقبة النشاط العصبي المستمر على المدى الطويل.
ويرى الخبراء أن شريحة “MOTE” تضع الأساس لحقبة جديدة في دمج التكنولوجيا الحيوية مع الطب العصبي، ما يمهّد لتطوير أجهزة مزروعة أكثر أمانًا ودقة، ويعزز فهم العلماء لعمل الدماغ وآلياته المعقدة في التعلم والنوم والإدراك.




