سياسات ترامب الجمركية: هل أضعفت الصناعة بدلًا من حمايتها؟

في ولاية كاليفورنيا، تصنع شركة “روك لوبستر سايكلز” دراجات عالية الجودة وتُصدّرها إلى مختلف أنحاء العالم.
لكن منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم، وتحديدًا مع بدء ولايته الثانية، بدأت الشركة تواجه تحديات حقيقية في الطلب العالمي نتيجة السياسات الجمركية المتقلبة التي تبنتها الإدارة الأمريكية. وهنا يبرز السؤال: هل أدت تلك السياسات إلى كبح الصناعة الأمريكية بدلًا من دعمها؟
البيئة الاقتصادية التي تتسم بعدم اليقين غالبًا ما تكون ضارة لقطاع الأعمال، إذ تؤدي إلى ارتفاع التكاليف، تراجع ثقة المستهلك، وتفكك التخطيط الاستراتيجي للشركات.
وبدلًا من دفع عجلة الاستثمار، تدفع هذه الأجواء الشركات إلى الانتظار والترقب، وتجميد خطط التوسع والتوظيف إلى أن تتضح الصورة السياسية والاقتصادية.
خلال تلك الفترة، انتهجت إدارة ترامب نهجًا متقلبًا في سياساتها التجارية، فتارة تهدد بفرض تعريفات جمركية جديدة، وتارة تؤجلها أو تلغيها فجأة، في قرارات قد تتغير خلال أيام، بل أحيانًا في غضون ساعات.
هذا التذبذب خلق حالة من الغموض غير المسبوق في السياسة الاقتصادية، شبيهة بما تمر به الدول في فترات الأزمات والانكماشات الكبرى.
تحذيرات قادة أعمال كبرى الشركات |
||
قائد الأعمال |
|
التحذير |
“ريتشارد برانسون” مؤسس “فيرجين جروب” |
|
يرى أن سياسات “ترامب” التجارية غير المتوقعة زعزعت أركان اقتصاد مزدهر، وقد تلحق ضررًا دائمًا. |
ديفيد سولومون المدير التنفيذي لـ “جولدمان ساكس” |
|
حذر من أن مستوى عدم اليقين مرتفع للغاية، وهذا ليس صحيًا ويؤثر على الاستثمار والإنفاق والتخطيط، وسيؤثر ذلك على النمو والاقتصاد.
|
“بول سادوف” مالك شركة “روك لوبستر سايكلز” |
|
تساءل “سادوف”: لماذا يطلب شخص في اليابان أو أستراليا أو كندا دراجة أمريكية إذا كانت الأمور قابلة للتغير بشكل كبير سريعًا؟، مشبهًا الأمر بأنه تجميد لكل شيء.
|
“سوزان شراينر” رئيسة “ليونز جيت فارمرز” التي تبيع القهوة المزروعة في هاواي لأنحاء آسيا وأوروبا |
|
صرحت بأنه عندما تفرض الرسوم الجمركية ثم تٌلغى مرارًا وتكرارًا، يتلاشى خطرها، ويتحول الأمر إلى العزوف عن العمل مع الشركات الأمريكية.
وأضافت أن العملاء في كندا واليابان يعيدون النظر في مشترياتهم، لأنهم قلقون بشأن عدم القدرة على التنبؤ بالتكاليف المستقبلية.
|
“ليزبيث ليفينسون” محامية التجارة الدولية لدى شركة “فوكس روتشيلد” |
|
أصبح من الصعب للغاية على الشركات المصنعة الأمريكية مواصلة أعمالها وهو أمر مثير للسخرية لأن هذه الفئة ذاتها من المفترض أن تحميها التعريفات، مضيفة أن الشركات تعلق كل شيء، إنها حرفيًا لا تستطيع التخطيط من يوم لآخر. |
الرد الطبيعي لغالبية رجال الأعمال تجاه الغموض هو التريث. لذا، فإن قرارات مثل تعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا، كما فعلت إدارة ترامب، لا تعني حلاً بل تعمق الأزمة، إذ تؤجل القرارات الاستثمارية، وتزيد من الضبابية المستقبلية.
أشارت تقارير من مؤسسات أمريكية متعددة إلى أن السياسات التجارية غير المستقرة أثّرت سلبًا على أعمالها، حيث ارتفعت التكاليف وتباطأ الطلب بسبب تراجع إنفاق المستهلكين.
ولم تتوقف آثار السياسات عند الحدود الأمريكية، بل زعزعت أيضًا العلاقات التجارية مع العديد من الدول، وأثارت تقلبات في الأسواق المالية العالمية.
رغم أن الهدف المُعلن من سياسة ترامب كان إعادة توطين التصنيع في الداخل الأمريكي، فإن النتائج جاءت عكسية. بدلاً من إطلاق موجة من الاستثمارات، تبنت الشركات موقفًا حذرًا.
نماذج من نتائج أعمال الشركات تظهر تأثير البيئة الاقتصادية غير المستقرة |
|
الشركة |
التوضيح |
جنرال موتورز |
تعيد صانعة السيارات الأمريكية تقييم توقعتها للعام الحالي، بسبب الرسوم الجمركية. |
كرافت هاينز |
مع تعرضها لضغوط شأنها شأن شركات الأغذية الأخرى، خفضت توقعات أرباحها لهذا العام مشيرة إلى البيئة المتقلبة. وأوضح مديرها التنفيذي “كارلوس أبرامز-ريفيرا” أن الشركة تراقب عن كثب الآثار المحتملة لضغوط الاقتصاد الكلي مثل التعريفات والتضخم. |
جيت بلو إير وايز |
سحبت شركة الطيران الأمريكية توقعاتها المالية لهذا العام بسبب مخاوف من تباطؤ الطلب على السفر مع تراجع ثقة المستهلك. |
ووفقًا لخبراء الاقتصاد، فإن الخطابات العدائية والتهديدات المستمرة أضعفت ثقة الشركاء التجاريين، بل وأحدثت شرخًا في علاقات الولايات المتحدة الاقتصادية مع العالم.
حتى كبار رجال الأعمال الذين دعموا ترامب في حملته الانتخابية وجدوا أنفسهم في موقف حرج. ففي تقارير الأرباح للربع الأول من العام، واجهت الشركات صعوبة في شرح كيف تؤثر الرسوم الجمركية على أرباحها. بعض الشركات قدّمت تقديرات تقريبية، فيما فضّلت أخرى التزام الصمت وعدم تقديم أي توقعات.
يرى الخبير الاقتصادي في جامعة ستانفورد “ستيفن جيه. ديفيس” أن الشركات تستطيع التكيّف مع القواعد حتى لو كانت غير ملائمة، شرط أن تكون واضحة. أما حين يسود الغموض، فإنها تجد نفسها عاجزة عن اتخاذ قرارات مدروسة.
لقد كشفت التجربة أن السياسات الجمركية المتذبذبة، بدلًا من حماية الصناعة، شلّت حركة الأعمال وأضعفت مناخ الاستثمار. إن الخروج من هذه الدوامة يتطلب من صناع القرار توفير بيئة مستقرة وواضحة، تعيد الثقة لقطاع الأعمال، وتُمهّد الطريق لنمو اقتصادي حقيقي ومستدام.