سباق الريادة في الاحتياطي الفيدرالي: هل يرضي الرئيس أم يحافظ على الاستقلالية؟

مع اقتراب موعد اختيار الرئيس الجديد لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، يتجه اهتمام وول ستريت وواشنطن نحو سباق شديد التعقيد، يضع المرشحين أمام تحديات مزدوجة: تلبية تطلعات الرئيس دونالد ترامب، والحفاظ على مصداقية البنك المركزي في أعين المستثمرين والجمهور.
لطالما تردد اسم وزير الخزانة سكوت بيسنت كخيار محتمل، لكن رفضه المتكرر للمنصب فتح الباب أمام أسماء أخرى مثل كيفن إيه. هاست، المستشار الاقتصادي المقرب من ترامب، وكيفن إم. ورش، المحافظ السابق في الاحتياطي الفيدرالي خلال ولاية جورج دبليو بوش. وكلاهما يعتبر من أبرز المرشحين خلف جيروم باول، الذي انتهت ولايته الثانية في مايو.
يكمن التحدي الرئيس أمام أي مرشح في التوازن بين الاستجابة لرغبات الرئيس وخفض تكاليف الاقتراض، وبين الحفاظ على الاستقلالية التي تُعطي الاحتياطي الفيدرالي مصداقية القرارات الاقتصادية. إذ يرى الخبراء أن أي تقصير في هذا الجانب قد يقود إلى ارتفاع أسعار الاقتراض عوضًا عن خفضها، بما يتعارض مع أهداف الرئيس.
وصف آندي لابيريير، رئيس أبحاث السياسة الأميركية في Piper Sandler، الوضع بالقول: «أي شخص يحصل على الوظيفة سيكون أمام سيناريو خاسر: إما ينجح في تنفيذ رغبات الرئيس ويُحرم من الاعتراف التاريخي، أو يفشل ويخاطر بالغضب الرئاسي».
حتى قبل أسابيع قليلة، كان هاست يتصدر الترشيحات. لكن إعلان ترامب عن تأجيل القرار النهائي أضاف بعدًا دراميًا للمنافسة، فيما أكدت إشاداته بورش الأسبوع الماضي أن السباق لم يُحسم بعد.
ومن المنتظر أن يلتقي ترامب مع كريستوفر جاي والر، محافظ الاحتياطي الفيدرالي الذي عينه في 2020، ويُعرف بدفاعه القوي عن استقلالية البنك المركزي، ما يجعله المفضل لدى وول ستريت لكنه يقلل من فرصه في الفوز لدى الرئيس.
وفي المقابل، يواجه هاست انتقادات تتعلق بقربه من ترامب، وهو ما ظهر في ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية منذ ترشيحه، وهو مؤشر على قلق المستثمرين.
أما ورش، رغم خبرته العميقة وعلاقاته المميزة مع القطاع المالي، فعليه إثبات جدوى موقفه الجديد الداعي لخفض أسعار الفائدة، بعد أن كان سابقًا ينتقد تحركات البنك المركزي لتحفيز الاقتصاد.
الرئيس المقبل سيواجه مقاومة محتملة داخل الاحتياطي الفيدرالي نفسه، إذ إن قرارات السياسة النقدية تشهد انقسامات واضحة. وأي محاولة لخفض الفائدة عن المستويات الاقتصادية المقبولة قد تلاقي اعتراضًا من أعضاء لجنة السياسة النقدية، بما في ذلك المحافظين الإقليميين ورئيس الاحتياطي في نيويورك.
ويحذر المحللون من أن أي قرار خاطئ قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة، مما يضع الرئيس نفسه أمام مفارقة اقتصادية صعبة.
كما أن تدخل ترامب في البنك المركزي منذ عودته إلى البيت الأبيض، بما في ذلك تهديده بإقالة باول ومحافظين آخرين، زاد من المخاوف حول استقلالية المؤسسة.
بالنهاية، يرى الخبراء أن التحدي الأكبر لن يكون مجرد كسب رضا الرئيس، بل إدارة المؤسسة بمصداقية، والحفاظ على ثقة الأسواق والجمهور. كما قالت إيلين زينتنر، كبيرة الاستراتيجيين الاقتصاديين في Morgan Stanley Wealth Management: «الاختبار الأكبر هو قدرة الرئيس الجديد على اتخاذ قرارات مستقلة تصب في مصلحة الاقتصاد، وليس مجرد إرضاء الرئيس».
القرار النهائي سيُعلن قريبًا، لكن الطريق إلى منصب قيادي في البنك المركزي الأميركي يظل محفوفًا بالتحديات، بين الولاء للرئيس والحفاظ على استقلالية المؤسسة التي تُشكل ركيزة استقرار الاقتصاد الأميركي.




