زيارة شي جين بينغ لموسكو…تقارب استراتيجي في ظل التحديات الاقتصادية الروسية

يبدأ الرئيس الصيني شي جين بينغ زيارة رسمية إلى موسكو في الفترة من 7 إلى 10 مايو 2025، للمشاركة في احتفالات الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث سيلتقي بنظيره الروسي فلاديمير بوتين لبحث “توسيع الشراكة الاستراتيجية الشاملة”، وفقاً لبيان الكرملين.
وتأتي هذه الزيارة في وقت حساس، حيث تتزايد المخاوف في روسيا من تداعيات الرسوم الجمركية الأمريكية التي قد تؤثر على سوقها التجارية، خاصة فيما يتعلق بوارداتها من الصين، المصدر الرئيسي للعديد من السلع.
تصاعدت المخاوف الاقتصادية في روسيا بعد إعلان الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية إضافية على صادرات صينية رئيسية، وهو ما قد يهدد الاقتصاد الروسي.
وحذر كيريل تراماسوف، مستشار محافظ البنك المركزي الروسي، من أن انخفاض قيمة اليوان قد يؤدي إلى تدفق “سلع صينية رخيصة” إلى السوق الروسية، مما يضر بالمنتجين المحليين ويضعف قطاعات الصناعة والاستهلاك.
بينما لا يتوقع أن يتأثر تصدير روسيا للمواد الخام إلى الصين بشكل كبير، فإن وارداتها من السلع المصنعة، مثل الآلات والمنتجات الاستهلاكية، قد تواجه اختلالات كبيرة وفقاً لتقرير معهد غيدار الروسي.
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا وفرض العقوبات الغربية على روسيا، أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لموسكو. في عام 2024، شكلت الصين أكثر من 34% من إجمالي تجارة روسيا الخارجية، و40% من وارداتها، وفقاً لبيانات معهد غيدار.
كما زادت حصة الصين من سوق السيارات الروسية بشكل ملحوظ، بعد انسحاب العديد من الشركات الكبرى مثل فورد وتويوتا ومرسيدس من السوق الروسية.
تعاني الشركات الروسية، وعلى رأسها “أفتوفاز”، من المنافسة الشرسة من العلامات التجارية الصينية في قطاع السيارات.
في مارس 2025، تراجعت مبيعات السيارات الجديدة في روسيا بنسبة 45% مقارنة بالعام السابق، ما يعكس التحديات التي يواجهها السوق المحلي بسبب السيارات الصينية منخفضة الأسعار.
كما اتهم مسؤولون في “أفتوفاز” الشركات الصينية بإغراق السوق الروسي بسيارات مخفضة الأسعار، مما يزيد من الضغوط على الشركات المحلية التي تعاني بالفعل من ارتفاع تكاليف التمويل ونقص العمالة.
على الرغم من النمو في الاستهلاك والصناعة، فإن الاعتماد المتزايد على الصين يضعف قدرة روسيا على تطوير صناعتها المحلية. أظهرت دراسة روسية أن 54% من شركات التكنولوجيا الصغيرة ترى أن الاعتماد على الواردات الصينية يشكل تهديدًا لتطورها.
كما تستمر الضغوط الاقتصادية الداخلية، مع تراجع الإنتاج الصناعي في الربع الأول من 2025 إلى أدنى مستوى له في عامين، وسط استمرار التضخم رغم رفع سعر الفائدة إلى 21%.
منذ عام 2022، فرَّ أكثر من 281 مليار دولار من روسيا، مما يزيد من الضغوط على الاقتصاد الروسي، في وقت يشهد فيه تراجعًا في صادرات النفط والغاز إلى الصين، مما يؤثر على العائدات ويزيد من الأزمة التجارية.
ومع استمرار الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، يبقى من غير المرجح أن تتخلى روسيا عن شراكتها الاستراتيجية مع الصين، رغم المحاولات الأمريكية لفك هذا التحالف.
بينما يعزز التقارب الاستراتيجي بين الصين وروسيا علاقات البلدين، يجد الاقتصاد الروسي نفسه في موقف هش، حيث يُعتبر شريكًا تجاريًا عملاقًا يساعد على سد الفراغ الناتج عن العقوبات الغربية، لكنه في نفس الوقت يهدد بإغراق الأسواق الروسية ويقوض فرص النمو الصناعي الداخلي.
و في ظل العقوبات الغربية والضغوط الاقتصادية، تواجه روسيا تحديات مزدوجة في الحفاظ على الاستقرار الداخلي أمام شريك أقوى اقتصاديًا، بينما تحاول تجنب الوقوع في فخ التبعية الاقتصادية الطويلة الأمد.