روبوتات الاستثمار..بين وعود الأرباح ومخاطر الخوارزميات

في عالم المال الذي كان يهيمن عليه الوسطاء التقليديون وقاعات البورصة الصاخبة، ظهر جيل جديد من المستشارين: الروبوتات الاستثمارية.
هذه الأدوات الرقمية لم تعد مجرد وسيلة مساعدة، بل أصبحت لاعبًا رئيسيًا قادرًا على إدارة مليارات الدولارات وتحليل الأسواق بدقة وسرعة تفوق قدرة البشر.
التحول جاء سريعًا؛ فالمستثمرون اليوم لا يحتاجون لمكاتب ضخمة أو اجتماعات طويلة مع خبراء ماليين. كل ما يتطلبه الأمر هو تطبيق ذكي أو منصة رقمية، وبضغطة زر يمكن للروبوت أن يعيد توازن المحفظة، يختار الاستثمارات، ويتفاعل مع تحركات السوق دون أي عاطفة أو تردد.
ومع هذا التقدم، يبدو أن البيانات والخوارزميات صارت قلب النظام المالي الجديد، لكن الواقع يكشف أن هذه الصورة المثالية ليست خالية من المخاطر.
شهدت السنوات الأخيرة صعود منصات مثل بيترمنت وويلث فرونت وفانجارد ديجيتال أدفايزر، حيث تدير هذه المنصات أكثر من تريليون دولار عالميًا في 2024، وفقًا لستاتيستا.
وتقدم هذه الروبوتات ميزات جذابة، من رسوم منخفضة إلى إدارة متاحة على مدار الساعة، واتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة وخوارزميات لا تتأثر بالطمع أو الخوف.
وصف البعض هذا التحول بأنه “دمقرطة للاستثمار”، إذ أصبح بإمكان المستثمر الصغير الوصول لأدوات كانت حكرًا على الكبار. في الولايات المتحدة، ارتفعت نسبة المستخدمين الذين يعتمدون على المستشارين الآليين من أقل من 5% عام 2017 إلى أكثر من 15% عام 2023، مدفوعة بتكاليف أقل وسهولة الوصول عبر التطبيقات الذكية.
النمو المتسارع للأصول المدارة عبر روبوتات الاستثمار (2023-2027): |
||
العام |
حجم الأصول المدارة (تريليون دولار) |
ملاحظات |
2023 |
1.08 |
(أول مرة يتجاوز تريليون دولار) |
2024 |
1.2 |
(تقديرات) |
2025 |
1.3 |
(توقعات) |
2026 |
1.5 |
(توقعات) |
2027 |
1.75 |
(توقعات) |
ولم يقتصر التأثير على الأفراد؛ فالبنوك الكبرى في أوروبا وآسيا بدأت دمج المستشارين الآليين ضمن خدماتها، مثل بنك “يو بي إس” السويسري الذي أطلق خدمة استثمار آلية للعملاء ذوي الثروات المتوسطة، لتكمل إدارة الثروات التقليدية.
على الرغم من الفوائد، فإن الاعتماد الكلي على المستشارين الآليين يثير مخاوف حقيقية. الأسواق بطبيعتها لا تمنح ضمانات، والمحافظ المدارة آليًا لم تنجُ من الخسائر خلال أزمات مثل التضخم والأزمات الجيوسياسية في 2022.
كما أن أحداثًا استثنائية، مثل انهيار الأسواق في مارس 2020 بسبب جائحة كورونا، كشفت عن ضعف قدرة بعض الروبوتات على التعامل مع ضغوط السوق، حيث توقفت عن العمل لساعات حرجة، ما عرّض العملاء لمخاطر إضافية.
وفي اليابان 2021، أدى خلل في نظام استثماري آلي إلى سلسلة من الصفقات الخاطئة التي كبدت المستثمرين ملايين الدولارات، ما يوضح أن التكنولوجيا وحدها لا توفر حماية مطلقة.
ورغم الصورة الزاهية، هناك تحذيرات جدية تتعلق بالتحيز البرمجي، فحتى الخوارزميات التي تبدو محايدة قد تعكس افتراضات المبرمجين أو مصالح الشركات. بالإضافة لذلك، الاعتماد المفرط على التقنية قد يضعف وعي المستثمر ويحوّله إلى متلقي سلبي للقرارات.
وبما أن هذه المنصات رقمية بالكامل، فهي أيضًا عرضة للاختراقات وتسريب البيانات، وهو ما دفع الهيئات الرقابية لتكرار التحذير بشأن حماية معلومات العملاء.
ومع كل هذا، يستمر الإقبال على المستشارين الآليين بوتيرة متسارعة، مع توقع أن تتجاوز الأصول المدارة عبرهم 1.5 تريليون دولار بحلول 2027، خاصة مع انتشارها في الأسواق الناشئة ودمجها مع تطبيقات الهواتف الذكية.
لكن السؤال يبقى: من المستفيد الحقيقي؟ بعض المنصات قد توجه العملاء لصناديق تابعة لها لتحقيق رسوم إضافية، أو تحتفظ بجزء من النقد في حسابات منخفضة العائد بما يخدم مصالحها أكثر من المستثمر.
لا شك أن المستشارين الآليين يمثلون أداة قوية تغيّر قواعد اللعبة، فهي توفر استراتيجيات متقدمة بتكلفة منخفضة، وتضمن سرعة وانضباطًا في اتخاذ القرارات.
لكن قوتها الحقيقية تكمن في كونها مكملة للعقل البشري، لا بديلًا عنه. فالخوارزمية لا تعرف أهدافك الشخصية، ولا تقديرك للصبر أو قدرتك على تحمل الخسارة، ولا تستطيع حماية محفظتك من أحداث غير متوقعة قد تقلب الموازين في لحظة.
في عالم المال، ليس كل ما يلمع ذهبًا. فقد تبدو الروبوتات مفتاحًا للثروة السهلة، لكنها قد تتحول بسرعة إلى فخ يؤدي إلى خسائر كبيرة. الوعي والانضباط يظلان شبكة الأمان الأساسية للمستثمر، بين وعود الأرباح المضمونة ومخاطر الخوارزميات الخفية.