رسوم النحاس الأمريكية…ضربة جديدة في شرايين الاقتصاد العالمي

في ظل تصاعد المنافسة العالمية على المعادن الاستراتيجية، اتخذت الولايات المتحدة خطوة مثيرة بالغة الأهمية عبر فرض تعريفة جمركية كبيرة تصل إلى 50% على واردات النحاس، بدءًا من الأول من غشت المقبل.
القرار الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب، يضع النحاس في مركز صراع اقتصادي وجيوسياسي جديد، حيث يلعب دورًا حيويًا في دعم قطاعات الذكاء الاصطناعي، الطاقة النظيفة، وتكنولوجيا السيارات الكهربائية.
تبرر الإدارة الأمريكية هذا الإجراء بحجة تأمين سلاسل الإمداد الوطنية، في ظل اعتماد متزايد على واردات النحاس، رغم وجود احتياطات كبيرة في الداخل.
التحقيقات التي انطلقت في فبراير الماضي سلطت الضوء على مخاطر تعرض الصناعات الأمريكية لهشاشة في الإمدادات وتأثيرها على القدرات الإنتاجية والتنافسية.
أسواق المعادن لم تتأخر في الرد؛ حيث شهدت بورصة “كومكس” الأمريكية ارتفاعًا حادًا في أسعار النحاس تجاوز 13% في جلسة واحدة، وهو أكبر ارتفاع يومي منذ أكثر من ثلاثة عقود، مسجلة سعرًا تاريخيًا عند 5.69 دولار للرطل.
وبرز تباين كبير في الفارق بين الأسعار الأمريكية والبريطانية، حيث وصلت العلاوة السعرية إلى أكثر من 2600 دولار للطن، ما يعكس حالة من التوتر والمضاربات الحادة.
على الرغم من قوة الاقتصاد الأمريكي، إلا أن الإنتاج المحلي للنحاس يغطي أقل من نصف الطلب الداخلي، مع تركيز استخراج النحاس في مناجم ولاية أريزونا، بينما تعتمد الصناعات الرئيسية على الإمدادات الخارجية، مما يعرضها لتقلبات السوق وسياسات التعريفات الجمركية.
رغم أن الصين ليست المورد الأول للنحاس المكرر إلى الولايات المتحدة، حيث تغطي دول مثل تشيلي وكندا وبيرو الجزء الأكبر من الواردات، إلا أن البيت الأبيض يبرر فرض التعريفات بمحاولة الحد من هيمنة الصين، خصوصًا مع توسعها الاستثماري الضخم في مناجم إفريقيا، ما يثير مخاوف من تغير موازين القوى في الأسواق العالمية.
التعريفات الجمركية المرتفعة تحمل في طياتها مخاطر على مشاريع التكنولوجيا الحديثة؛ فمن المتوقع أن ترتفع تكلفة إنشاء مراكز البيانات وشبكات الطاقة المتجددة، مما قد يبطئ وتيرة تطور الذكاء الاصطناعي. إذ يستهلك كل مركز بيانات تقليدي آلاف الأطنان من النحاس، بينما الإنتاج الأمريكي لا يكاد يغطي الحاجة الشهرية.
سيعاني قطاع السيارات الكهربائية، الذي يحتاج إلى كميات كبيرة من النحاس، حيث يصل متوسط النحاس المستخدم في كل سيارة إلى نحو 80 كيلوغرامًا، أي أكثر بأربعة أضعاف من السيارات التقليدية.
ارتفاع أسعار النحاس قد يزيد من تكاليف التصنيع ويؤثر سلبًا على تنافسية هذا القطاع الحيوي، مما قد يدفع بعض المصنعين إلى التفكير في استخدام الألمنيوم كبديل، رغم تحدياته التقنية.
في ظل هذه التحولات، تتعزز مكانة الكونغو الديمقراطية كأحد أكبر منتجي النحاس عالميًا، متقدمة على بيرو، بدعم من الاستثمارات الصينية الضخمة التي تهدف إلى تأمين موارد المعادن الأساسية لمشاريع التكنولوجيا الحديثة والاقتصادات الخضراء.
الإجراء الأمريكي بفرض تعريفة جمركية كبيرة على النحاس يشير إلى تغير استراتيجي جذري في السياسة الصناعية والاقتصادية، لكنه يفتح الباب أمام تحديات جمة تشمل ارتفاع التكاليف، تباطؤ التطور التكنولوجي، واضطرابات في أسواق المعادن العالمية.
في عالم أصبحت فيه المعادن الحيوية أدوات قوة وجيوسياسة، سيكون النحاس أكثر من مجرد معدن؛ إنه ساحة معركة جديدة بين القوى الاقتصادية الكبرى.