الاقتصادية

دروس أزمة الديون الأوروبية 2012: كيف تجنب العالم كارثة اقتصادية جديدة؟

في عام 2012، وبعد نحو خمسة أعوام من الأزمة المالية العالمية وما تلاها من ركود اقتصادي عالمي، كانت الأسواق المالية على حافة الهاوية، ترقبًا لانهيار اقتصادي جديد قد يطال العالم بأسره.

في صيف ذلك العام، كانت أسواق المال الأوروبية تشهد اضطرابات شديدة، على خلفية ارتفاع العوائد على السندات الإيطالية والإسبانية فوق 7%، وهو ما يعد نقطة اللاعودة بالنسبة للدول المثقلة بالديون.

توقع الجميع أن يشهد العالم سيناريو مشابهًا لانهيار بنك “ليمان براذرز” في 2008، ولكن هذه المرة مع دول بأكملها، ما كان سيعني كارثة اقتصادية شاملة.

ومع تراكم الديون في دول مثل اليونان وإسبانيا وإيطاليا، كانت التوقعات تشير إلى انهيار محتمل لمنطقة اليورو، والذي كان سيؤدي إلى تأثيرات مدمرة على الاقتصاد العالمي.

لكن المفاجأة كانت في أن هذا الانهيار لم يحدث، فما الذي دفع العالم إلى تفادي الركود الكارثي في تلك اللحظة؟

و عند تأسيس منطقة اليورو في عام 1999، كان المشروع عبارة عن حلم طموح يهدف إلى دمج اقتصادات 11 دولة (وصلت الآن إلى 20 دولة) تحت عملة واحدة، دون وجود سياسة مالية موحدة.

هذا التباين بين السياسة النقدية الموحدة، عبر البنك المركزي الأوروبي، والسياسة المالية المتفرقة بين الدول كان خطأً جوهريًا.

على الرغم من وجود معايير صارمة للانضمام إلى منطقة اليورو مثل سقف العجز العام الذي لا يتجاوز 3% من الناتج المحلي، وديون لا تزيد عن 60% من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن العديد من الدول، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا، انتهكت هذه المعايير دون أن تواجه عقوبات جدية.

abd335a5 a88d 4673 b379 422c74c048fb Detafour

بدأت الأزمة الحقيقية في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما تراكمت الديون الهائلة نتيجة للعجز المالي المتزايد والإنفاق الحكومي المفرط. ثم جاءت الأزمة المالية العالمية في 2008 لتزيد من تعميق الأزمة.

في اليونان، قفز الدين العام من 103% من الناتج المحلي في 2007 إلى 170% في 2012، مما كشف هشاشة الوضع الاقتصادي. في إسبانيا وإيطاليا، كانت التوقعات تشير إلى أن انهيار الاقتصاد في أي من البلدين كان سيتسبب في تداعيات خطيرة على النظام المالي العالمي.

مجموعة الدول الأكثر تضررًا من أزمة الديون الأوروبية عام 2012

الدولة

الدين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي

(%)

معدل البطالة

(%)

معدل النمو الاقتصادي

(%)

اليونان

164.3

24.7

(8.3)

إيطاليا

125.9

10.7

(3.1)

البرتغال

128.6

15.5

(4.1)

أيرلندا

118.7

15.5

(0.4)

إسبانيا

89.6

24.8

(2.9)

 

ارتفعت العوائد على السندات الحكومية في هذه الدول إلى مستويات مرتفعة للغاية، ما جعل إعادة تمويل الديون شبه مستحيلة، وبدأت الأسواق المالية تفقد الثقة، مما أدى إلى ازدياد المخاوف من تفكك منطقة اليورو.

و مع انهيار اقتصادات كبيرة مثل إيطاليا وإسبانيا، بدا أن العدوى المالية ستنتقل من نطاق محلي إلى عالمي. ومع تفاقم الأزمة في يوليو 2012، قدم ماريو دراغي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، خطابًا حاسمًا قال فيه إن البنك المركزي سيفعل كل ما يلزم للحفاظ على اليورو.

كان هذا التصريح بمثابة نقطة تحول، حيث أطلق البنك المركزي الأوروبي برنامج المعاملات النقدية المباشرة (OMT)، الذي يتيح شراء السندات الحكومية للدول المتعثرة، ما أعاد الثقة إلى الأسواق المالية وهدأ الأوضاع.

بعد هذا التدخل الحاسم، استمرت حزم الإنقاذ المالي التي قدمها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لدعم الدول المتعثرة، مثل 240 مليار يورو لليونان و100 مليار يورو لإسبانيا، ما منح هذه الدول فرصة لإعادة هيكلة اقتصاداتها.

ورغم أن هذه التحركات ساعدت في تجنب انهيار النظام المالي، إلا أن الآثار كانت كبيرة على المدى الطويل. فقد أدت سياسات التقشف إلى ارتفاع معدلات البطالة في بعض الدول الأوروبية، ما خلق جيلًا كاملًا من الشباب الذي عانى من فقدان الفرص الاقتصادية.

أظهرت أزمة الديون الأوروبية في 2012 أن الأزمة لم تكن فقط بسبب الديون المتراكمة، بل كانت أيضًا أزمة ثقة حادة بين الأسواق والمستثمرين. كما لعبت المصارف الخاصة دورًا محوريًا في تعميق الأزمة من خلال بيع السندات الحكومية بكثافة.

0342b9a3 14e7 4ebf b4ee 339099928426 Detafour

وفي الخلفية، كانت الخلافات السياسية بين ألمانيا ودول الجنوب الأوروبي حول شروط المساعدات تؤجج التوترات داخل الاتحاد الأوروبي.

رغم تجنب العالم الركود الكارثي في عام 2012، كانت الأزمة بمثابة تحذير صارخ حول هشاشة الأنظمة المالية العالمية، وأهمية التحرك السريع والمدروس لتجنب تفاقم الأزمات الاقتصادية الكبرى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى