دراسة: المغرب يحتاج استثمار 30 مليار دولار لتحقيق 52% طاقة متجددة بحلول 2030

رغم التقدم المحرز في قطاع الطاقات المتجددة، لا يزال الواقع الطاقي في المغرب يواجه هشاشة واختلالات هيكلية.
فقد كشف تقرير حديث للمعهد المغربي لتحليل السياسات، بعنوان “سياسات الانتقال الطاقي في المغرب”، عن نقاط القوة والضعف في مسار المملكة نحو تحقيق الاستدامة الطاقية.
أوضح التقرير أن المغرب، على غرار العديد من الدول النامية، لا يزال يعتمد بشكل كبير على استيراد الوقود الأحفوري.
هذا الاعتماد يؤثر مباشرة على الميزان التجاري الوطني ويزيد من هشاشة الأمن الطاقي. ففي عام 2020، استورد المغرب 88.5% من طاقته من مصادر أحفورية، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، مما يعكس اختلالات هيكلية في منظومة إنتاج الطاقة.
تُعرّض فاتورة الاستيراد، التي ترتبط بالنفط والفحم والغاز، الاقتصاد الوطني لتقلبات الأسواق العالمية، وتهدد استدامة سياسات الدعم الاجتماعي المرتبطة بالطاقة، مثل دعم غاز البوتان.
يُشكّل الارتفاع المتوقع في الطلب الوطني على الكهرباء، نتيجة للتطور الصناعي والديموغرافي، تحديًا إضافيًا.
أشار التقرير إلى أن المغرب يحتاج إلى استثمارات تناهز 30 مليار دولار حتى عام 2030 لتحقيق هدف دمج 52% من الطاقات المتجددة في القدرة الكهربائية المركبة. هذا الرقم يعكس الحجم المالي الضخم المطلوب لهذا التحول الاستراتيجي.
سجل التقرير وجود فجوات تنظيمية وتشريعية تؤثر على فعالية تنفيذ السياسات الطاقية، بالإضافة إلى صعوبات في تنسيق أدوار المؤسسات الوطنية وغياب منظومة متكاملة لتخزين الطاقة.
كما أن استمرارية دعم بعض المواد الطاقية الأحفورية تعيق التوجه الحازم نحو مصادر الطاقة المتجددة، ويدعو التقرير إلى توجيه هذا الدعم تدريجيًا نحو الاستثمار في الطاقة الشمسية والمعدات المستدامة.
على المستوى الاجتماعي، لا تزال الفجوة قائمة بين المناطق الحضرية والريفية في الوصول إلى خدمات الطاقة، رغم التقدم في تعميم الكهرباء.
ويؤكد التقرير أن سياسات الانتقال الطاقي تتطلب مزيدًا من التفاعل مع المواطنين لتعزيز الوعي البيئي وتحفيز السلوكيات الاستهلاكية المستدامة.
رغم التحديات، قطع المغرب خطوات مهمة في وضع إطار استراتيجي للانتقال الطاقي. منذ الاستراتيجية الوطنية للطاقة لسنة 2009، استهدف المغرب تحقيق 42% من إجمالي الطاقة المركبة من مصادر متجددة بحلول 2020، و52% بحلول 2030. وقد حقق المغرب نسبة 37% بحلول 2020، وهي نسبة متقدمة نسبيًا بالنظر إلى السياق الدولي الصعب.
تُعد المشاريع الكبرى التي أطلقتها المملكة، مثل مجمع نور ورزازات للطاقة الشمسية، نموذجًا عالميًا في إنتاج الطاقة الشمسية المركزة.
كما يعمل المغرب على تطوير مشاريع أخرى للطاقة الريحية في مناطق مثل طرفاية، طنجة، والصويرة، ضمن البرنامج المغربي المندمج للطاقة الريحية الذي يستهدف تحقيق 2000 ميجاوات من القدرة الريحية.
يُولي المغرب اهتمامًا خاصًا لتطوير مصادر بديلة، أبرزها الهيدروجين الأخضر، الذي يمكن أن يُشكّل ثورة في مجال تصدير الطاقة النظيفة ويُحوّل المغرب إلى مركز طاقي إقليمي ودولي.
و تُعزز هذه الطموحات الشراكات الاستراتيجية، خاصة مع ألمانيا، عبر برامج مشتركة لبحث سبل إنتاج وتخزين وتصدير الهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى مشاريع الربط الكهربائي مع أوروبا.
شهد الإطار التشريعي تطورًا ملحوظًا، خاصة مع صدور القانون 13.09 المتعلق بإنتاج الطاقة المتجددة، والقانون 82.21 الذي يتيح للمولدين الذاتيين تصدير الفائض إلى الشبكة. كما تم إنشاء الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء لتنظيم الأسعار والوصول إلى الشبكة الوطنية للكهرباء.
التزم المغرب بخفض انبعاثاته من الغازات الدفيئة بنسبة تصل إلى 45.5% بحلول 2030، ويهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050. يتطلب ذلك تبني سياسات تكاملية تشمل النجاعة الطاقية، النقل المستدام، الفلاحة الذكية، وتثمين النفايات كمصدر للطاقة الحيوية.
يؤكد المعهد أن مستقبل الانتقال الطاقي في المغرب واعد، بشرط تجاوز العوائق التمويلية والتنظيمية، وتسريع وتيرة الإصلاحات، وتكريس شراكات دولية فعالة. يوصي التقرير بضرورة تعزيز التمويل الأخضر، توسيع مشاركة المجتمع المدني، والاستثمار في التكوين والبحث العلمي في مجالات الطاقة النظيفة.
كما يدعو إلى إعادة النظر في نظام الدعم الطاقي، لضمان عدالة اجتماعية وبيئية، وتحفيز سلوكيات استهلاكية مسؤولة ومستدامة.