دراسة : البيروقراطية تمثل العائق الأكبر أمام عودة الكفاءات المغربية

في وقت يتزايد فيه الرهان الوطني على استقطاب الكفاءات المغربية بالخارج، كشفت دراسة حديثة أعدّتها مجلس الجالية المغربية بالخارج بالشراكة مع الجامعة الدولية للرباط عن ملامح دقيقة لمسارات العودة، وما تحمله من تطلعات، عراقيل، وتجارب إنسانية ومهنية متشابكة.
الدراسة، التي أنجزها الباحثان فريد العصري وشيماء جوريه وفق مقاربة إثنوغرافية، سعت إلى تجاوز الأرقام الجافة من خلال الغوص في الخلفيات العاطفية والاختيارات الشخصية للمغاربة ذوي المهارات العالية العائدين إلى الوطن.
وتأتي هذه النتائج في سياق الاهتمام الملكي المتواصل بضرورة تعزيز الروابط مع المغاربة عبر العالم وتعبئة خبراتهم لخدمة التنمية.
تكشف الدراسة أن قرار العودة إلى المغرب ليس خطوة آنية، بل مسار يتشابك فيه الحنين بالمسؤولية والانتماء بالفرص المهنية. فبعض العائدين وُلدوا ونشأوا بالخارج ليكتشفوا المغرب لاحقاً كفضاء للاندماج والابتكار، فيما يغادر آخرون الوطن في سن مبكرة قبل أن يعودوا اليوم بأسرهم، بحثاً عن جذور أكثر صلابة أو أفق مهني أوسع.
الكثير من هؤلاء يسعون للمساهمة في دينامية المغرب الاقتصادية، خاصة في ميادين التكنولوجيا، الطاقات المتجددة، الخدمات، والبحث العلمي، حيث تتنامى فرص العمل والابتكار بشكل لافت.
تبيّن نتائج البحث أن مؤسسات التعليم العالي، على غرار الجامعة الدولية للرباط، جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، الأخوين، ويوروميد، أصبحت فضاءات مفضّلة لعودة الكفاءات، بفضل بيئات بحثية حديثة وانفتاح دولي متزايد.
غير أن الدراسة تشير أيضاً إلى تأخر بعض الجامعات في تبسيط مساطر التوظيف الأكاديمي، مما يجعل العودة إلى الحقل الجامعي عملية معقدة في حالات عديدة.
على مستوى ريادة الأعمال، تظهر الدراسة قصصاً لطاقات مغربية عادت لتأسيس شركات في مجالات التكنولوجيا، الزراعة، والخدمات. ورغم وجود إرادة قوية للاستثمار داخل الوطن، فإن العائدين يصطدمون أحياناً ببيروقراطية مرهِقة وتأخيرات إدارية، إلى جانب اختلاف بيئة العمل مقارنة بالدول التي قدموا منها.
لكن البرامج الجهوية للتحفيز والاستفادة من شبكات “المغاربة العالميين” تواصل لعب دور محوري في دعم مشاريعهم.
لا تقف التحديات عند حدود سوق العمل؛ فالعائدون يواجهون أيضاً ارتفاع تكاليف السكن، التعليم، والرعاية الصحية، وخاصة أولئك الذين اعتادوا أنظمة اجتماعية مختلفة في الدول الغربية.
وتشير الدراسة إلى أن بعضهم يختار “العودة المرنة” عبر التنقل المستمر بين المغرب ودول الإقامة السابقة بدل الاستقرار التام.
لفتت الدراسة إلى أن النساء العائدات يواجهن تحديات إضافية تتعلق بسوق العمل وانتظارات المجتمع، رغم أن العودة تفتح أيضاً الباب أمام فرص جديدة للتمكين وتحقيق الطموحات المهنية.
تقدّم الدراسة مجموعة من المقترحات لتعزيز تعبئة الكفاءات المغربية عبر العالم، أبرزها:
إرساء دبلوماسية علمية وريادية تربط الباحثين ورواد الأعمال بالمؤسسات المغربية.
بناء إطار قانوني واضح لتسهيل العودة.
تحسين قنوات التواصل بين الدولة والمغاربة في الخارج.
إنشاء وكالة مشتركة تعنى بشؤون الكفاءات المغربية حول العالم.
ويؤكد الباحثان أن المغرب يمتلك “ثروة بشرية عالمية” قادرة على إحداث تحول نوعي في مسار التنمية، غير أن تعبئة هذه الطاقات تتطلب سياسات حديثة، واضحة، وقادرة على مواكبة تحولات العصر.




