الاقتصادية

داخل غرفة الابتكار في البنتاجون..الوحدة إكس والحروب المستقبلية

في ساعات الفجر الأولى من عام 2006، وعلى مدى خط النار الممتد بين العراق وإيران، وجد الكابتن راج شاه، قائد طائرة مقاتلة من طراز إف-16، نفسه في موقف حرج للغاية.

إذ رغم امتلاك طائرته لتكنولوجيا متقدمة وتكلفة ضخمة تجاوزت 30 مليون دولار، إلا أنه لم يكن يعرف تحديدًا على أي جانب من الحدود يحلق في تلك اللحظة الحرجة التي كادت أن تؤدي إلى أزمة دولية أو تودي بحياته.

المفارقة لم تكن بسبب عطل في الأجهزة أو خلل في المحركات، بل بسبب غياب أداة بسيطة ورئيسية: خريطة رقمية متحركة، ميزة تعتبر متاحة بسهولة اليوم حتى على الهواتف الذكية الرخيصة.

هذه الحادثة لم تكن مجرد تجربة فردية للكابتن شاه، بل كانت بمثابة إنذار مبكر يكشف أزمة أعمق في آليات البنتاجون وأجهزة الدفاع الغربية بشكل عام، أزمة تتعلق ببطء التحديث والجمود البيروقراطي الذي يقف عائقًا أمام الابتكار والسرعة التي تفرضها الحروب الحديثة.

فالحرب في أوكرانيا التي اندلعت فيما بعد برهنت بوضوح على أن الصناعات الدفاعية في الولايات المتحدة وأوروبا، رغم ميزانياتها الضخمة التي تقترب من 900 مليار دولار، لم تستطع مواكبة متطلبات النزاعات التقليدية المتسارعة، فكيف بحروب المستقبل التي تحمل تحديات أكبر، مثل الصراع المحتمل مع الصين على تايوان؟

المشكلة ليست في نقص الموارد أو الكفاءات، بل في ثقافة قديمة مُتجذرة في مؤسسات البنتاجون، حيث لا تزال قرارات الشراء والتحديث تمر عبر أطر بيروقراطية معقدة وبطيئة للغاية.

على الضفة الأخرى من الولايات المتحدة، وفي قلب وادي السيليكون المفعم بالحيوية والتجديد، يتحرك العالم التقني بسرعة هائلة، حيث يُحتفى بالفشل كجزء من طريق النجاح، وتتدفق رؤوس الأموال الاستثمارية على مشاريع جريئة ومبتكرة.

في المقابل، يُعاني البنتاجون من ثقافة معاكسة تمامًا، تركز على تقليل المخاطر إلى أدنى حد، مما يجعل التغيير بطيئًا، والابتكار مكبوتًا.

هذا التناقض الثقافي كان محور كتاب “الوحدة إكس” الذي كتبه راج شاه وكريستوفر كيرشوف، والذي يستعرض من خلاله تحديات ونجاحات وحدة الابتكار الدفاعي (DIU) التي أُنشئت في عهد وزير الدفاع آشتون كارتر بهدف بناء جسر بين عالم التكنولوجيا السريع والبيروقراطية العسكرية التقليدية.

لم تكن المهمة مجرد شراء تقنيات متطورة، بل “قرصنة” النظام من الداخل لتغييره وخلق ثقافة جديدة تواكب العصر.

يتميز الكتاب بسرد مباشر ومن قلب المعركة، حيث يقدم المؤلفان شهادتهما كقائد سابق للوحدة ومستشار أمني، ما يمنحهما عمقًا وتحليلًا فريدًا لتحديات الابتكار في أكبر مؤسسة دفاعية في العالم.

يصف الكتاب كيف بدأت الوحدة بمشاكل كثيرة، وكيف تمكن المؤلفان من إعادة هيكلتها وتحويلها إلى نموذج ناجح في جذب التقنيات المدنية وتكييفها للاستخدام العسكري بسرعة لم تكن ممكنة من قبل.

على الرغم من النجاحات التي حققتها الوحدة، فإن الكتاب لا يخفي تحديات أخرى تواجهها المؤسسات الأكبر داخل وزارة الدفاع، حيث تستمر العمليات التقليدية في فرض نفسها، ويظل النظام الأساسي للاستحواذ على التكنولوجيا معقدًا وبطيئًا.

هذا يعكس هشاشة الابتكار في بيئة عسكرية تقليدية، حيث تبقى الحوافز مشوهة، والبيروقراطية عقبة رئيسية تحول دون إحداث التغيير الجذري.

Unit X' Review: Silicon Valley Hasn't Revolutionized Warfare—Yet

تتجلى أهمية “الوحدة إكس” في سياق التحديات الجيوسياسية الراهنة، حيث أصبح الحفاظ على التفوق التكنولوجي أمرًا حيويًا في مواجهة خصوم مثل الصين وروسيا.

هنا، يُبرز الكتاب كيف يمكن لتبني التكنولوجيا المدنية المتطورة، كما حدث في أوكرانيا، أن يغير قواعد اللعبة على الأرض، ويُكسب الجيوش تفوقًا تكتيكيًا رغم تفاوت الموارد.

ينتهي الكتاب بتذكير قوي بأن سباق التسلح في القرن الحادي والعشرين لا يرحم، وأن التأخر في التحديث والابتكار يعني خسارة لا يمكن تعويضها. كما قال الجنرال دوجلاس ماكارثر في أربعينيات القرن الماضي: “يمكن تلخيص تاريخ الفشل في الحروب في ثلاث كلمات: بعد فوات الأوان”.

وهذا الدرس لا يزال حاضراً بقوة في الوقت الذي تشتد فيه المنافسة التقنية والعسكرية العالمية، ويصبح لكل تأخير ثمن باهظ في الأرواح والأمن القومي.

في النهاية، “الوحدة إكس” ليست مجرد كتاب عن التكنولوجيا والحروب، بل هي دعوة عميقة لإعادة التفكير في كيفية بناء مؤسسات الدفاع، وتحويلها إلى كيانات مرنة وقادرة على التكيف مع سرعة التغير، من أجل حماية الأمن القومي بفعالية في عالم يتغير باستمرار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى