خبير أمني: إطلاق الدرهم الرقمي “خطوة استراتيجية” تستلزم تأمين الأنظمة وحماية المعطيات

يتأهب المشهد المالي المغربي لتحول تاريخي مع المضي قدماً في مشروع إطلاق العملة الرقمية الرسمية، أو ما بات يُعرف بـ “الدرهم الرقمي”.
وتأتي هذه الخطوة في صميم استراتيجية وطنية طموحة لتقليص الاعتماد على النقد الورقي، ودفع عجلة الرقمنة الشاملة للنظام المالي، وتعزيز الإدماج المالي لمختلف فئات المجتمع.
المشروع، الذي ما يزال في طور الدراسة والإعداد، يمثل نقطة التقاء لآفاق واعدة وتحديات هيكلية، مسلطاً الضوء على الحاجة الملحة لتطوير أطر تقنية، قانونية، وأمنية متقدمة لتأطير هذا التحول.
في تصريح للقناة الثانية، وصف أنس أبو الكلام، الخبير في الأمن السيبراني ورئيس مسلك الدفاع السيبراني بجامعة القاضي عياض، إطلاق الدرهم الرقمي بأنه “خطوة استراتيجية”، مشدداً على أبعادها التي لا تقتصر على الجانب التقني فحسب، بل تمتد لتشمل الجوانب القانونية والاجتماعية.
ويؤكد أبو الكلام أن نجاح هذا التحول الجذري مرهون بإجراءات فعالة وموازية، وعلى رأسها “تأمين الأنظمة الرقمية، وحماية المعطيات الشخصية للمواطنين، وتعزيز الثقة عبر الشفافية في المراقبة والمتابعة”، محذراً من الاكتفاء بالتجريب دون تفعيل هذه الركائز الأساسية.
ويرى الخبير أن المغرب يتمتع بـ “وضع مناسب نسبياً” لخوض هذه التجربة الرائدة، مستنداً إلى بنية تحتية رقمية متنامية، وتطور ملموس في مجال العدالة الرقمية، إضافة إلى الاستعدادات التشريعية الجارية التي تُمهد الأرضية اللازمة لتجريب العملة الرقمية.
ومع ذلك، لا تغيب التحديات عن المشهد. فقد أشار أبو الكلام إلى وجود “تفاوتات ملحوظة” في جودة الربط بالإنترنت ونسب استخدام الخدمات المالية الرقمية بين المناطق الحضرية والقروية وبين مختلف الشرائح الاجتماعية، ما يُشكل عائقاً اجتماعياً وجغرافياً يتطلب معالجة فورية.
يُعدّ عامل التوعية الجماهيرية مفصلياً لضمان القبول الشعبي والنجاح الفعلي للمشروع. فقد شدد أبو الكلام على ضرورة توعية المواطنين بمفهوم الدرهم الرقمي وآليات استخدامه، معتبراً أن “غياب التدريب أو ضعف الوعي قد يعرقل نجاح المشروع” أو يُثير مخاوف تتعلق بالأمن والخصوصية.
وفي سياق متصل، حذر الخبير من تنامي التهديدات السيبرانية عالمياً، مؤكداً أن “تأمين البنية الرقمية يشكل عاملاً حاسماً”. ودعا الدولة إلى “الاستثمار في حماية الأنظمة، وإجراء اختبارات اختراق مستمرة، ومراقبة الثغرات الأمنية بشكل دائم”.
لطمأنة المستخدمين، أكد أبو الكلام أن نجاح المبادرة مرتبط بشكل وثيق بـ “الحفاظ على خصوصية المستخدمين”، مشدداً على أن العملة الرقمية لا تعني فرض “مراقبة صارمة على كل المعاملات”، خصوصاً البسيطة منها. واعتبر أن الخصوصية هي “عنصر جوهري” لتفادي الرفض الشعبي.
كما دعا الخبير إلى الإسراع في “إصدار قانون خاص بالدرهم الرقمي” يحدد بوضوح حقوق وواجبات المستخدم، ويوفر حماية قانونية واضحة، مع الالتزام بالمعايير الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
بعيداً عن خفض التكاليف وتسريع المعاملات، يرى أبو الكلام أن الفوائد الحقيقية للعملة الرقمية تكمن في قدرتها على “إدماج الفئات غير البنكية” وتسهيل التفاعل المالي في المناطق النائية، ما يُعزز الشمول المالي ويقلّص الفوارق.
أما على المستوى الاقتصادي الكلي، فيُتوقع أن تساهم العملة الرقمية في “تقليص الاقتصاد غير المهيكل” وتحسين الإشراف الضريبي، وإدماج التحويلات الصغيرة ضمن النظام المالي الرسمي، وهو ما من شأنه أن يدعم المالية العامة للدولة.
واختتم الخبير حديثه بضرورة اعتماد “منهج تجريبي” منسق بين المؤسسات المالية والـ FinTech والهيئات التشريعية، ومواكبة المشروع بحملات “توعية رقمية تحذر من مخاطر الاحتيال السيبراني” وتُقدم دعماً فنياً فعالاً للمستخدمين.




