اقتصاد المغربالأسهمبورصة الدار البيضاء

حماسة الاكتتابات رغم صغر الحصة تعكس ثقافة استثمارية جديدة لدى المغاربة

رغم التحديات والتقلبات، لا يزال الحلم المغربي بالاستثمار الذكي حاضراً، إذ يظهر الاهتمام الكبير بالاكتتابات الأخيرة أن المواطن المغربي يثق في قدرة بورصة الدار البيضاء على تقديم فرص حقيقية للنمو المالي، مع إمكانية تطوير نظام أكثر عدالة واستدامة.

خلف الأضواء الإعلامية والصخب المصاحب للأرقام القياسية في اكتتابات شركتي “كاش بلوس” و”الشركة العامة للأشغال بالمغرب” (SGTM)، تكشف بورصة الدار البيضاء عن واقع أكثر تعقيداً مما يبدو على السطح.

في حين اندفع آلاف المغاربة وراء حلم الأرباح السريعة، تمكنت نسبة محدودة فقط من تحقيق مكاسب فعلية، تاركة للمكتتبين الأفراد حصصاً ضئيلة ومخاطرة كبيرة بأموالهم.

رغم تجاوز اكتتاب “كاش بلوس” نسبة 64 مرة حجم العرض، جاءت النتائج لتصدم المكتتبين؛ إذ اقتصرت تخصيصات الأسهم على 17 إلى 27 سهماً لكل مستثمر، ما يجعل المكاسب المحتملة رمزية مقارنة بالجهد والانتظار الطويل.

ويشير خبراء إلى أن اقتناء 20 سهماً بسعر 200 درهم قد يولد ربحاً صافياً لا يتجاوز 800 درهم بعد خصم الرسوم والضرائب، وهو مبلغ بالكاد يغطي تكلفة تجميد السيولة أو عناء الانتظار.

هذه الأرقام تطرح سؤالاً جوهرياً: هل تعكس المكاسب الرمزية حجم المخاطر الفعلية التي يتحملها المستثمرون الصغار؟

في المقابل، كانت الأطراف الكبرى في السوق تحقق أرباحاً مؤكدة:

  • البنوك وشركات الوساطة: استفادت من عمولات ضخمة جراء معالجة اكتتابات بمليارات الدراهم.

  • المساهمون القدامى: نفذوا عمليات “تخارج نقدي” بأسعار وصفها كثيرون بالسخية، محققين أرباحاً فورية.

  • وسائل الإعلام وصنّاع المحتوى: استثمروا موجة الحماس لتعزيز المشاهدة وتحقيق أرباح دعائية إضافية.

تثير هذه الاكتتابات تساؤلات جوهرية حول مستقبل نظام الاكتتاب في المغرب. السوق بحاجة إلى مستثمرين استراتيجيين يبتعدون عن المقامرة قصيرة الأجل، ويضمنون مشاركة عادلة تعزز ثقة صغار المستثمرين.

ويؤكد محللون أن استمرار نهج “التخصيص الهزيل” قد يؤدي إلى إحباط جماعي ينفر المدخرين الصغار من الاستثمار في البورصة مستقبلاً، مما يهدد أحد أهم قنوات التمويل الرأسمالي للاقتصاد الوطني.

في ضوء هذه المعطيات، تبدو بورصة الدار البيضاء أمام لحظة مفصلية: الاستمرار في نمط الاكتتاب الحالي الذي يخدم القلة، أو الانطلاق نحو إصلاح حقيقي يضمن توزيعاً أكثر عدالة ويعزز ثقة المستثمر الصغير في أسواق المال المغربية، مع الإشارة إلى أن الاهتمام الجماهيري الكبير يظهر أن هناك قاعدة قوية لإحداث هذا التغيير الإيجابي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى