جرينلاند: ذوبان الجليد يكشف عن كنوز معدنية
مع استمرار ذوبان الجليد في جزيرة جرينلاند، التي تعد جزءًا من الدنمارك وتحظى بحكم ذاتي، بدأت الأرض تكشف عن كنوزها المدفونة.
هذا التحول جعل من الوصول إلى بعض من أكبر احتياطيات المعادن الحرجة غير المستغلة في العالم أكثر سهولة، مما يفتح آفاقًا جديدة لفرص التعدين.
يشير العديد من الخبراء إلى أن هذه الظاهرة، التي يراها البعض “أزمة مناخية”، قد أسهمت في تسارع ذوبان الجليد، مما حول الجزيرة القليلة السكان الواقعة بين المحيط المتجمد الشمالي والمحيط الأطلسي إلى موقع استراتيجي مليء بالفرص.
وفقًا لتحليل صور الأقمار الصناعية التاريخية، الذي نشرته جامعة ليدز البريطانية العام الماضي، تُظهر جرينلاند تحولًا بيئيًا ملحوظًا حيث بدأ الاحتباس الحراري في تغيير ملامحها بشكل تدريجي، إذ استبدلت أجزاء من الغطاء الجليدي والأنهار الجليدية بالأراضي الرطبة والمناطق التي تنمو فيها الشجيرات والصخور القاحلة.
وهذا التغير في البيئة قد يفتح الطريق أمام طفرة تعدين مشابهة لـ “حمى الذهب” في القرن التاسع عشر.
يقول “رودريك ماكليري”، المدير التنفيذي لشركة التعدين البريطانية “80 مايل”: “الظروف الحالية مثيرة للاهتمام؛ حيث أصبحت الطرق البحرية حول جرينلاند أكثر انفتاحًا كل عام، ما يسهل الوصول إلى المناطق البعيدة بشكل لم يكن ممكنًا قبل عقود”.
و يضيف ماكليري أن الجليد أصبح يتشكل لمدة 3 إلى 4 أشهر فقط، مما يساهم في الكشف عن الصخور والرواسب المعدنية التي كانت مخفية لسنوات.
وتعمل شركة “80 مايل” على عدة مشاريع في جرينلاند، بما في ذلك امتياز نفطي على الساحل الشرقي، ومشروع تيتانيوم في الشمال الغربي، بالإضافة إلى مشروع “ديسكو-نوسواك” في الجنوب الغربي، الذي يعد من أكبر مواقع النيكل والنحاس في العالم.
من جهته، يذكر “توني سيج”، الرئيس التنفيذي لشركة “كريتيكال ميتالز”، أن ذوبان الجليد قد قدم “خدمات هائلة” لوجستيًا، حيث تمكنت شركته من إدخال سفن ضخمة إلى موقع تانبريز في جنوب جرينلاند، مستفيدة من إنشاء مضايق عميقة تسمح بإنشاء رصيف عائم بدلاً من الاعتماد على ميناء ثابت.
لا شك أن هذه التغيرات قد جعلت جرينلاند مقصدًا مهمًا للمستثمرين الدوليين، خاصة بعد أن أصبحت بديلاً محتملاً لاحتكار الصين لموارد المعادن النادرة.
ويرتبط الاهتمام المتزايد بهذا التحول بتصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب “دونالد ترامب”، الذي أبدى رغبة قوية في السيطرة على الجزيرة “لأغراض تتعلق بالأمن القومي”.
وفقا لهيئة المسح الجيولوجي في الدنمارك وجرينلاند، تم الكشف عن مسح أجري في 2023 أظهر أن جرينلاند تحتوي على 38 مادة خام، معظمها ذات إمكانات اقتصادية عالية.
و تشمل هذه المعادن الجرافيت، والنيوبيوم، ومعادن مجموعة البلاتين، والموليبدينوم، والتنتالوم، والليثيوم، والهافنيوم، واليورانيوم، والذهب.
ووفقًا للخبراء، تعتبر هذه المعادن ضرورية لتحقيق التحول في مجال الطاقة، حيث تُستخدم في صناعة البطاريات، وتقنيات تخزين الطاقة، والأجهزة الإلكترونية، وحتى في التطبيقات الأمنية.
ويُعتبر العلماء أن جرينلاند تعد “منطقة استكشاف خضراء”، حيث ما زالت عمليات الاستكشاف في مراحلها الأولى، ويؤكدون وجود رواسب كبيرة قد تكون محط اهتمام كبير في المستقبل. وهذا يُفسر جزئيًا تصريحات ترامب الأخيرة حول اهتمامه المتزايد بالجزيرة واحتياطاتها المعدنية.
بينما تواصل جرينلاند تحولات مناخية تُظهر مواردها الطبيعية الخفية، تبرز الجزيرة كمنطقة استراتيجية ومصدر للفرص التعدينية.
ومع تزايد الاهتمام الدولي، من المتوقع أن تشهد جرينلاند تطورات كبيرة في قطاع التعدين، وهو ما قد يشكل تحولًا مهمًا في مشهد الموارد العالمية.