شهدت أسعار الغاز في السوق الفورية في جميع أنحاء العالم زيادة كبيرة خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، حيث تراجعت المخزونات في معظم المناطق الاستهلاكية الرئيسية إلى أدنى مستوياتها في عدة سنوات، مما ينذر بأن موسم إعادة تعبئة المخزونات في عام 2025 سيكون أكثر صعوبة.
من المتوقع أن تشجع الأسعار المرتفعة بشكل ملحوظ محطات توليد الكهرباء على التحول إلى مصادر وقود بديلة، في الوقت الذي ستضطر فيه الصناعات ذات الاستهلاك العالي للطاقة في أوروبا والمرافق الحساسة للسعر في جنوب وجنوب شرق آسيا إلى تقليص استخدام الغاز كلما أمكن ذلك.
في تقرير جديد، تبين أن المخزونات المجمعة في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وأوكرانيا والولايات المتحدة انخفضت بنحو 400 تيراواط/ساعة (1446 مليار قدم مكعب أو 32 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال) مقارنة بالعام الماضي.
كما سجلت مخزونات اليابان انخفاضًا بنحو 6 تيراواط/ساعة (22 مليار قدم مكعب أو 0.5 مليون طن) مقارنة بمستوياتها في أكتوبر من العام الماضي.
منذ الربع الثاني من عام 2024، بدأ الاستهلاك في النمو بوتيرة أسرع من الإنتاج، نتيجة للزيادة في توليد الغاز القياسي، وانخفاض أنشطة الحفر في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الشتاء البارد في أمريكا الشمالية وشمال غرب أوروبا، والعقوبات المفروضة على روسيا.
وقد أسفر ذلك عن استنفاد الفائض المخزني الذي تم بناؤه خلال شتاء 2023/24 بشكل كامل خلال الشتاء الحالي.
ومع تزايد الضغط على المخزونات، أصبحت الأسعار ترتفع بشكل حاد لمحاولة كبح الاستهلاك وتعزيز أنشطة الحفر للحفاظ على المخزونات المتبقية. وعلى مدار العام الماضي، تضاعفت أسعار العقود الآجلة في أمريكا الشمالية وشمال غرب أوروبا، بينما ارتفعت بنسبة 75٪ في شمال شرق آسيا مقارنة بنفس الفترة من عام 2024.
من المتوقع أن تشهد الأشهر القليلة المقبلة منافسة شرسة على الغاز، حيث تسعى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا واليابان إلى إعادة بناء مخزونات الغاز بشكل أسرع من المعتاد خلال الصيف المقبل، مما سيؤدي إلى زيادة التوترات في السوق.
في حال حدوث موجات حر شديدة في شمال غرب أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا، والتي قد تؤدي إلى زيادة كبيرة في استخدام تكييف الهواء، فإن الطلب على الغاز قد يصبح أكثر كثافة.
على صعيد آخر، قام المستثمرون بتجميع مراكز صعودية كبيرة في العقود الآجلة بناءً على توقعاتهم لأسعار الغاز في أمريكا الشمالية وشمال غرب أوروبا، ما يزيد من تضييق السوق ويعزز من ارتفاع الأسعار.
و في أمريكا الشمالية، سجلت صناديق التحوط ومديرو الأموال أعلى مستوى لصافي المراكز الطويلة منذ أكثر من ثلاث سنوات، بينما في شمال غرب أوروبا، سجلت صناديق الاستثمار صافي مركز طويل قياسي.
من المتوقع أن يؤدي هذا الضغط السوقي إلى تحفيز التحول إلى الوقود البديل، مثل الفحم ووقود النفط، مما قد يجبر بعض المصانع على الإغلاق. ومع استمرار ارتفاع الأسعار، ستضطر الحكومات الأوروبية إلى مواجهة ضغوط متزايدة من الأسر والصناعات، حيث قد تُلقى اللوم على صناديق التحوط والمضاربين.
وفي الختام، فإن السوق العالمية ستكون أكثر إحكامًا هذا الصيف مقارنة بالعامين السابقين، مما يفرض الحاجة إلى ارتفاع الأسعار لاستعادة التوازن، وهو ما سيشمل تقليل الاستهلاك وتشجيع زيادة الإنتاج في الولايات المتحدة.
