تهريب الهواتف الذكية يُهدد الاقتصاد الرقمي ويُربك سوق التوزيع المنظم بالمغرب

في ظل التوجه الوطني نحو ترسيخ التحول الرقمي وتعميم الولوج إلى التكنولوجيا الحديثة، تعاني السوق المغربية من ظاهرة متفاقمة تقوّض هذا المسار، وتتعلق بتهريب الهواتف الذكية، التي باتت تُغرق الأسواق بأعداد ضخمة، خارجة عن القنوات القانونية.
تخترق آلاف الهواتف الذكية المهربة حدود المملكة بعيدًا عن المراقبة الجمركية، لتُعرض لاحقًا بأسعار مغرية دون احترام للضوابط الضريبية أو المعايير التقنية، مما يخلق منافسة غير شريفة تؤثر سلبًا على الفاعلين الملتزمين بالقانون، وتُفقد الدولة موارد مالية مهمة.
وتفيد معطيات متداولة في الأوساط المهنية والبرلمانية بأن حجم هذه الهواتف لم يعد هامشيًا، بل أصبح يهدد التوازنات الاقتصادية داخل السوق الرقمية، التي تُعد ركيزة أساسية في رؤية المغرب التنموية.
وبينما تراهن الحكومة على تسريع رقمنة الخدمات وتطوير البنية الرقمية الوطنية، يواجه الموزعون الرسميون أزمة خانقة ناجمة عن تزاحمهم مع أجهزة مجهولة المصدر، تُباع دون ضمانات أو مراقبة للجودة أو السلامة.
وغالبًا ما تدخل هذه الأجهزة إلى التراب الوطني عبر الموانئ والمعابر البرية والمطارات بطرق ملتوية، دون الخضوع للإجراءات التقنية والصحية المفروضة، مما يجعلها مصدر خطر على المستهلكين، خاصة فيما يتعلق بالبطاريات أو المكونات الإلكترونية غير المطابقة للمعايير.
من جهته، حذّر النائب البرلماني محمد التويمي بنجلون من استفحال الظاهرة، ووجه سؤالًا شفهيًا إلى وزارة الاقتصاد والمالية، طالب فيه بتدخل فوري لحماية الاقتصاد الوطني من تداعيات هذا التهريب المنظم.
وأشار النائب إلى أن رقم معاملات الموزعين القانونيين انخفض بأكثر من 40%، وهو ما يهدد استمرارية مئات مناصب الشغل، ويضعف القدرة التنافسية للقطاع، ويُضر بعائدات الدولة الجبائية.
كما نبه إلى أن استمرار هذه الوضعية من شأنه تقويض ثقة المستثمرين في عدالة السوق، مما يؤثر سلبًا على جاذبية مناخ الأعمال، ويتناقض مع جهود الدولة في تحقيق السيادة الرقمية.
وأكد البرلماني أن قطاع التوزيع المنظم يضطلع بدور محوري في تسهيل الولوج إلى التكنولوجيا المؤمّنة والملتزمة بالمعايير الدولية، فضلًا عن مساهمته في دعم المالية العمومية.
وفي ختام مداخلته، دعا النائب إلى إجراءات استعجالية لتشديد المراقبة على المنافذ الحدودية، وتنسيق الجهود بين مصالح الجمارك والوكالات التقنية، مع إدراج حماية الموزعين القانونيين ضمن السياسات العمومية، على غرار ما يُعتمد في قطاعات استراتيجية كالصناعة الصيدلانية والسيارات.
من جهتهم، يحذر مهنيون من أن غض الطرف عن هذه الظاهرة سيؤدي إلى تعميق اقتصاد الظل، وتفكيك المنظومة القانونية والتنظيمية للسوق، مشددين على أن أي استراتيجية للتحول الرقمي ستظل قاصرة إذا لم تقترن بإجراءات صارمة لمحاربة التهريب وتحقيق الإنصاف الضريبي وبناء سوق عادلة ومستدامة.