تقرير : 60% من المغاربة يعانون السمنة.. وسياسات الدعم الحكومي تدمر الأمن الغذائي والسيادة الوطنية

كشف تقرير صادر عن المعهد المغربي لتحليل السياسات عن صورة معقدة ومقلقة للواقع الغذائي في المغرب، حيث تتعايش معدلات مرتفعة من زيادة الوزن والسمنة مع نقص حاد في العناصر الغذائية الأساسية، في ظل استمرار الاعتماد الكبير على الواردات.
ووجه التقرير اتهامات مباشرة للسياسات الحكومية التي تفتقر إلى “إرادة سياسية” حقيقية لترسيخ مفهوم السيادة الغذائية وحماية المنتج المحلي.
أعد التقرير الأستاذ محمد الطاهر السرايري، الخبير في الإنتاج الحيواني والبيوتكنولوجيا بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، وقد أظهر أن أكثر من 60% من المغاربة يعانون من زيادة الوزن، فيما بلغت نسبة السمنة نحو 21% في عام 2022.
هذا التضخم في الوزن يقابله مفارقة صحية خطيرة تتمثل في وجود نقص حاد لدى المواطنين في مغذيات أساسية مثل الحديد واليود وفيتامين A، مما يؤكد على أن المشكلة تكمن في نوعية الغذاء وليس كميته.
أشار التقرير إلى أن سياسات الدعم الموجهة لسلع محددة، تحديداً الخبز والسكر المكرر، ساهمت بشكل مباشر في تراجع النمط الغذائي الصحي للمغاربة.
ونتيجة لذلك، انخفض استهلاك الفرد من البقوليات (التي تعد مصدراً غنياً للبروتينات والألياف) بشكل حاد، حيث تهاوى معدل الاستهلاك من 10.7 كلغ للفرد في الثمانينيات إلى 3.6 كلغ فقط في 2024. هذا التراجع يرافقه اقتصار الإنتاج المحلي للبقوليات على 3% فقط من المساحة المزروعة.
سلط التقرير الضوء على الهشاشة الكبيرة في الأمن الغذائي الوطني، حيث يظل المغرب يعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتأمين الحبوب والعدس والمواد الأولية اللازمة لإنتاج اللحوم.
ورغم ارتفاع إنتاج لحوم الدواجن والبيض محلياً، إلا أن هذا القطاع الحيوي يعتمد كلياً على الأعلاف المستوردة من دول بعيدة مثل الأرجنتين والبرازيل والولايات المتحدة، وهو ما يزيد من البصمة الكربونية ويقلل من مرونة النظام الغذائي الوطني في مواجهة أي اضطرابات عالمية.
كما نبه التقرير إلى أن الزراعة المغربية نفسها تعتمد على مدخلات حيوية مستوردة، تشمل الطاقة والأسمدة والموارد الوراثية، مما يعكس غياب “إرادة سياسية لترسيخ مبادئ السيادة الغذائية”، ويؤكد أن التوجه الليبرالي المعتمد منذ الثمانينيات دفع المغرب للانخراط الكامل في التجارة الدولية حتى في السلع الأساسية، على عكس الدول الكبرى (اليابان، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة) التي تحرص على دعم إنتاجها المحلي لتحقيق حد أدنى من الاكتفاء الذاتي.
للتغلب على هذه التحديات، قدم التقرير حزمة من التوصيات العاجلة، أبرزها ضرورة مواءمة السياسات لتقليص الاعتماد على الواردات وحماية الموارد الطبيعية.
وشدد على أهمية دعم الفلاحين الصغار بشكل حقيقي لضمان العدالة المجالية والحد من الهجرة القروية، وتوفير ظروف عمل لائقة لهم.
ودعا التقرير إلى ترسيخ مفهوم “المواطنة الغذائية” من خلال التربية على التغذية السليمة في المدارس، والحفاظ على الوصفات التقليدية، والعمل على ضبط استهلاك السكر والزيوت النباتية وتشجيع إدراج البقوليات في الوجبات المدرسية.
كما أكد على ضرورة دمج مبادئ السيادة الغذائية في المناهج الأكاديمية والبحث العلمي لتلبية الخصوصيات الإقليمية للمغرب، مؤكداً أن تحقيق الأمن الغذائي المستدام يظل مرهوناً بـإرادة سياسية قوية وتنسيق فعال بين مختلف القطاعات الوزارية.




