اقتصاد المغربالأخبار

تفكيك صندوق المقاصة في المغرب…هل تدفع الفئات الفقيرة والمتوسطة ثمن الإصلاح؟

خلص الباحث في القانون العام والعلوم السياسية، عبد الرفيع زعنون، إلى أن الإصلاحات التي طالت نظام المقاصة في المغرب لم تحقق الأثر الاجتماعي المرجو منها، حيث رغم مرور نحو عشر سنوات على التحرير الكامل لأسعار المحروقات، لا تزال هناك شكوك حول مدى جدية توجيه مدخرات رفع الدعم لحماية القدرة الشرائية للفئات الأكثر هشاشة.

في ورقته البحثية بعنوان “تفكيك صندوق المقاصة في المغرب: هل تدفع الفئات الفقيرة والمتوسطة ثمن الإصلاح؟”، أوضح زعنون أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمغرب يعكس تدهوراً ملموساً في مستويات معيشة الفئات الفقيرة والمتوسطة، إذ زادت معاناة الفقراء واقتربت شريحة كبيرة من الطبقة الوسطى إلى عتبة الفقر، نتيجة غياب سياسات تنموية فعالة تدعم القوة الشرائية للمواطنين المتضررين من رفع الدعم.

وأشار الباحث إلى وجود عيوب بنيوية في طريقة التحويلات النقدية المباشرة، التي تقتصر على التخفيف من حدة الفقر دون القضاء عليه، وتعتمد في تنفيذها على سياسات زبونية تستهدف قاعدة اجتماعية محدودة، بدلاً من تبني سياسات شاملة تموّل عبر إصلاحات ضريبية عادلة.

وأضاف أن تحرير أسعار المواد الطاقية فشل في تحقيق أهداف مزدوجة، إذ لم يستطع ضمان التوازنات المالية الكلية الضرورية لتعافي المالية العامة، كما لم يحافظ على التوازنات الاجتماعية أو يقلل من فجوات اللامساواة، وهي تحديات قد تتفاقم مستقبلاً بالنظر إلى تجارب دول أخرى اعتمدت على الدعم النقدي المستهدف بدلاً من الدعم الشامل، حيث تؤكد الدراسات المقارنة أن الأخير هو الأكثر نفعاً للفقراء.

ودعا زعنون إلى إعادة النظر في نظام المقاصة، باعتباره آلية أساسية لضبط أسعار المواد الأساسية، على أن يتم ذلك من منظور جديد يوازن بين حماية القدرة الشرائية للفئات الهشة والحد من الهدر المالي.

وشدد على ضرورة أن ترتكز فعالية الدعم العمومي على تصميم سياسات اجتماعية شاملة تهدف إلى اجتثاث جذور التفاوتات الاجتماعية بدلاً من معالجة أعراضها فقط.

وأشار إلى أن الحكومة شرعت منذ مايو 2024 في تفكيك ما تبقى من صندوق المقاصة، عبر تقليص الدعم عن غاز البوتان، بعدما ألغت دعم المواد النفطية السائلة منذ 2015، بحجة تخصيص الموارد المالية المتاحة لدعم التحويلات النقدية المباشرة للفئات الفقيرة، والتي من المتوقع أن تصل ميزانيتها إلى حوالي 3 مليارات دولار بحلول 2026.

ورغم ادعاء الحكومة بأن نظام المقاصة يستفيد منه الأغنياء أكثر من الفقراء، فإن التخلي عنه يهدد ما تبقى من دعم الدولة الاجتماعية، مما يعرض الوضع المعيشي للفئات الفقيرة والمتوسطة إلى مخاطر كبيرة، خاصة في ظل غياب إجراءات مواكبة كافية لمعالجة تداعيات الإصلاح.

وحذر الباحث من أن تفكيك صندوق المقاصة قد يؤدي إلى اضطراب التوازنات الاجتماعية، إذ إن استبدال الدعم المالي الشامل بدعم نقدي مستهدف قد لا يحسن من كفاءة إعادة التوزيع، وذلك بسبب الظرفية الخاصة بتحرير الأسعار والقصور المتأصل في آليات الاستهداف التي قد تزيد من الفجوات الاجتماعية.

وأوضح أن الدعم السلعي قد يبدو ظاهرياً مخصصاً للفئات الغنية، إلا أن تلك الفئات تعوض أضعاف ما تفقده من دعم عبر تحميل الفئات الأضعف في السوق تكاليف الأسعار المرتفعة.

في المقابل، أشار إلى أن الفئات الضعيفة عاجزة عن تعويض خسائرها الناتجة عن تحرير الأسعار، حيث لم تتحسن ظروفها المعيشية بما يتناسب مع المكاسب المالية لإصلاح المقاصة.

وأكد أن المساعدات النقدية المستهدفة قد تساعد الفقراء على تلبية بعض حاجاتهم، لكنها لا تضمن لهم الحد الأدنى من الدخل للعيش الكريم، بسبب ضعف قيمتها، وعدم مواكبتها لمعدلات التضخم، فضلاً عن قصور آليات الاستهداف التي تستبعد كثيراً من المستحقين.

واستشهد الباحث بتجارب دولية تظهر أن نسبة استبعاد الفئات الهشة من برامج الدعم النقدي قد تصل إلى 70% في المكسيك، وحتى في جورجيا التي تعد نموذجاً ناجحاً، تم استبعاد 46% من أفقر 10% من السكان.

أما بخصوص الطبقة الوسطى، فأكد زعنون أنها تتحمل تكلفة مزدوجة جراء تفكيك المقاصة، حيث تضطر لشراء السلع الأساسية بأسعار السوق دون أي دعم، مما يدفعها نحو الفقر، إضافة إلى غياب بديل اجتماعي يوفر لها الحد الأدنى من الحماية.

كما لفت إلى أن جزءاً كبيراً من هذه الطبقة يساهم في تمويل برامج الحماية الاجتماعية الجديدة عبر تحمل أعباء ضريبية إضافية مثل المساهمة الاجتماعية على الأرباح والدخل، التي تطال الموظفين الذين يتجاوز دخلهم 20 ألف درهم شهرياً بنسبة 1.5% من الأجر الصافي.

كما أشار إلى ما أسماه “الوسط المفقود” (Missing Middle)، الذي يضم العمالة غير المنظمة المنتمية للطبقة الوسطى، والتي لا تستفيد من التأمين الصحي أو معاش التقاعد بسبب عدم تسجيلها في الضمان الاجتماعي، وفي الوقت ذاته تستبعد من الدعم النقدي الموجه للفقراء.

وأبرز أن التحرير الكامل لأسعار المحروقات أثر سلباً على القطاع غير المهيكل، خاصة الزراعة التي تعتبر مورداً استراتيجياً للدخل والتشغيل.

وأشار إلى أن الإنفاق على غاز الطهي يشكل عبئاً كبيراً على ميزانيات الأسر الفقيرة، التي تفضل هذا الخيار عن الكهرباء، كما تلجأ الفئات الأكثر فقراً إلى التدفئة بالحطب، بينما اضطر عدد من الفلاحين لاستخدام غاز البوتان لتفادي ارتفاع تكلفة الوقود.

وفي الختام، اعتبر زعنون أن ادعاءات الحكومة بشأن استهداف الفئات غير المستحقة التي تستغل غاز البوتان لأغراض مهنية، لا تعفيها من المسؤولية تجاه التأثير السلبي للإصلاح على الفئات الهشة، بما فيها المزارعون البسطاء.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى