تراجع المضاربات السريعة يعيد تشكيل أسواق المال العالمية في 2025

شهدت أسواق المال العالمية خلال العقد الأخير طفرة في التداول عالي السرعة، حيث شكلت المضاربات السريعة – أو ما يُعرف بالمضاربات “الخاطفة” – أحد أبرز محركات السوق، مستفيدة من التكنولوجيا الرقمية، والخوارزميات المتقدمة، وتقلبات الأسعار اللحظية لتحقيق أرباح قصيرة الأجل.
لكن عام 2025 جاء محملاً بتغيرات كبيرة، إذ أظهرت البيانات الرسمية انخفاضًا ملحوظًا في وتيرة هذه المضاربات في الأسواق الكبرى.
ورغم هذا التراجع، لم تشهد الأسواق جفافًا في السيولة، بل أعيد توجيه النشاط نحو استراتيجيات استثمارية أكثر هدوءًا وارتباطًا بإعادة هيكلة المحافظ وإدارة المخاطر على المدى المتوسط والطويل.
تكشف أرقام بورصة ناسداك عن أن متوسط القيمة اليومية للأسهم المتداولة بلغ 5.5 مليار دولار في النصف الأول من 2025، مقارنة بنحو 4.7 مليار دولار في الفترة نفسها من 2024، أي بزيادة نحو 17%. هذه الأرقام توضح أن الأسواق لم تفقد نشاطها، بل شهدت تحولًا في طبيعة التداول بعيدًا عن المضاربات اليومية السريعة.
أما المشتقات المالية، الأكثر حساسية للمضاربات السريعة، فقد سجّلت انخفاضًا حادًا. فبحسب بيانات اتحاد صناعة العقود الآجلة (FIA)، بلغ حجم تداول المشتقات عالميًا في أغسطس 2025 نحو 9.66 مليار عقد، بانخفاض يقارب 50% عن أغسطس 2024، في حين تراجعت عقود الخيارات عالميًا بأكثر من 45% في أبريل 2025 مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، ما يعكس فتورًا واضحًا في النشاط المضاربي.

على الرغم من هذا الانحسار، ارتفعت مشاركة المستثمرين الأفراد، إذ زادت التدفقات الاستثمارية للأفراد في سوق الأسهم الأمريكية بنحو 53% مقارنة بالعام السابق، مسهمين بما يصل إلى 25% من إجمالي أحجام التداول.
لكن طبيعة هذه المشاركة اختلفت؛ فالمستثمرون أصبحوا يركزون على الصناديق المتداولة في البورصة وقطاعات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مع إطالة فترة الاحتفاظ بالأصول وتقليل التداول اليومي المكثف.
كما لعبت الأحداث الاقتصادية والسياسية غير المتوقعة، مثل فرض تعريفات جمركية واسعة من قبل الولايات المتحدة في مطلع 2025، دورًا في زيادة الحذر بين المستثمرين وتقليص الاعتماد على استراتيجيات عالية المخاطر.
لم يقتصر التراجع على الأسواق الأمريكية، بل شمل الأسواق الآسيوية، حيث انخفض تداول عقود الخيارات بأكثر من 40% على أساس سنوي، مما أثر مباشرة على السيولة العالمية. وفي المقابل، شهدت الاستثمارات طويلة الأجل في شركات التكنولوجيا وأشباه الموصلات نموًا ملحوظًا، وهو ما يعكس تحول المستثمرين نحو استراتيجيات نمو مستدامة.
أما في أوروبا، فالتراجع جاء أكثر هدوءًا، إذ استمرت مؤشرات الأسهم الرئيسية في تحقيق مستويات قياسية، بينما ظلت أحجام التداول أقل من متوسط السنوات السابقة، وهو ما يعكس هيمنة استراتيجيات طويلة الأجل يقودها مستثمرون مؤسسيون يركزون على إدارة المخاطر وإعادة توزيع الأصول.
تُشير بيانات الأسواق العالمية إلى أن المضاربات السريعة لم تختفِ، لكنها فقدت دورها المهيمن. فالتحول الهيكلي في طبيعة النشاط الاستثماري يعكس ميل المستثمرين نحو استراتيجيات أكثر استدامة، وتحوطًا، واستثمارًا طويل الأجل، ما قد يمهد لمرحلة جديدة من النضج في الأسواق، حيث يصبح النشاط المضاربي جزءًا مكملًا وليس القوة المسيطرة على الحركة السوقية.




