تألق الذهب: هل يُنذر “الملاذ الآمن” بعاصفة تصحيحية تضرب الأسهم والبيتكوين؟

في سباق الأسواق الحالي، حيث تتنافس الأسهم الأمريكية والبيتكوين على تسجيل قمم قياسية، يبرز الذهب بلمعانه المختلف، مسجلاً ارتفاعات تاريخية متتالية.
هذا الارتفاع المتزامن في الطلب على الملاذ الآمن يثير تساؤلات جدية: هل يعد هذا التألق غير المسبوق للمعدن الأصفر بمثابة جرس إنذار يسبق موجة تصحيحية عنيفة قد تضرب الأصول الأكثر خطورة؟
شهد الذهب قفزة قياسية، متجاوزًا مستويات تاريخية ليقترب من عتبة $4000، مدفوعًا بتزايد الإقبال على الملاذات الآمنة. هذا التفضيل يعكس قلق المستثمرين المتزايد من عاملين رئيسيين: ضعف الدولار الأمريكي المستمر واستمرار الضغوط التضخمية.
في هذا السياق، يُنظر إلى الذهب كمخزن قيمة أكثر موثوقية، ما يدفع رؤوس الأموال إلى إعادة التموضع بعيدًا عن الأصول التقليدية.
لغة الأرقام تؤكد هذا التحول؛ فقد ارتفعت أسعار الذهب بأكثر من 46% منذ بداية العام، متفوقًا بشكل واضح على مؤشر “إس آند بي 500” الذي اكتفى بنمو قدره 14%.
هذا التفوق الحاد ليس مجرد أداء مالي، بل هو ترجمة مباشرة لاهتزاز الثقة في الدولار وتصاعد الضبابية الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية.
تعيش الأسواق الأمريكية موجة صعودية طويلة، تغذت بشكل أساسي على السيولة الضخمة التي ضخها الاحتياطي الفيدرالي، بالإضافة إلى الزخم الهائل المرتبط بقطاع الذكاء الاصطناعي.
ورغم الارتفاعات القياسية، يرى الخبراء أن هذا الصعود يفتقر إلى الصلابة الكافية لمواجهة صدمة تصحيحية محتملة.
في هذا الصدد، حذر “جيفري بيرمان”، أستاذ المالية المساعد، من أن الأسهم الأمريكية قد تواجه تصحيحًا وشيكًا، مؤكدًا أن أي تراجع قادم لن يكون مجرد “فرصة شراء” مغرية، بل قد يشير إلى بداية مرحلة أكثر اضطرابًا.
وتشير تحليلاته إلى أن انخفاض مؤشر “إس آند بي 500” إلى مستوى $6350 نقطة قد يفتح الباب أمام هبوط أعمق نحو $5700 نقطة، وهو انخفاض كبير عن مستوياته الحالية.
التحذيرات لا تقتصر على الأسهم فحسب؛ إذ يرى “بيرمان” أن البيتكوين ليست في مأمن، بل إنها مهيأة لتصحيح حاد قد يصل إلى 30% من قيمتها، مع إمكانية الهبوط إلى مستويات أقل من $50 ألفًا.
والأخطر، وفقًا لرؤيته، هو أن انهيار العملة المشفرة قد يتجاوز سوق الكريبتو ليجر معه الأسهم إلى تراجعات أوسع نطاقًا، في ظل التشابك المتزايد بين فئات الأصول.
كما تزايدت المخاوف بشأن تقييمات أسهم التكنولوجيا المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، حيث يحذر المحللون من أن ضخ مئات المليارات قد لا يحقق العوائد المأمولة، ما يرفع شبح تكوّن فقاعة استثمارية جديدة قابلة للانفجار في أي لحظة.
هل التصحيح حتمي؟ يجيب “بيرمان” بأن موجة التصحيح يمكن تخفيفها أو حتى تجنبها من خلال التنويع الاستراتيجي لمحافظ المستثمرين. وينصح بـتخفيف الوزن النسبي لأسهم التكنولوجيا والقطاع المالي، لصالح قطاعات أخرى أكثر مرونة مثل الطاقة والسلع الاستهلاكية.
هذا التوزيع يساعد على تنويع المخاطر وإعداد المحفظة لمرحلة عدم اليقين المقبلة.
في الختام، مع ارتفاع الذهب إلى قمم متتالية، تترقب الأسواق اختبارًا صعبًا. قد لا يكون الانهيار الفوري هو السيناريو الأقرب، لكن التزايد الواضح في الإقبال على الملاذ الآمن يشير إلى أن المستثمرين يستعدون لـتصحيح محتمل قد يعيد رسم خريطة الأصول المالية العالمية.