تأثير عمالقة المال…عندما يغير المستثمرون الكبار قواعد اللعبة

في عالم المال، لا تكمن القوة دائمًا في الأرقام وحدها، بل تتجسد أحيانًا في تأثير شخصية استثنائية. في ربيع عام 2016، واجه سهم شركة آبل تحديًا غير مسبوق، بعد تراجع مبيعات هواتف “آيفون” للمرة الأولى منذ إطلاقها، ما دفع السهم إلى خسارة أكثر من 20% من قيمته خلال أشهر قليلة، وهبط سعره من نحو 130 دولارًا إلى حوالي 90 دولارًا.
و تراجع تقييم الشركة السوقي إلى نحو 500 مليار دولار بعد أن كان قد تجاوز 750 مليار دولار قبل عام واحد.
لكن دخول شخصية استثنائية مثل وارن بافيت، رئيس شركة بيركشاير هاثاواي، قلب المعادلة. إعلان استحواذ شركته على نحو عشرة ملايين سهم أعاد الثقة إلى وول ستريت، وبدأ سهم آبل في التعافي تدريجيًا، ليصبح أحد أعظم رهانات بافيت الاستثمارية.
كما تضاعفت قيمة الشركة السوقية لتتجاوز 3 تريليونات دولار بحلول عام 2023، وشكلت نحو 40% من محفظة بيركشاير هاثاواي.
هذه القصة تعكس قدرة المستثمر الكبير على تحويل التشاؤم إلى تفاؤل والخوف إلى طمع، إذ يكفي أحيانًا دخول مستثمر بارز لإحداث موجة صعود قوية، سواء كان صندوق تحوّط، مستثمرًا مؤسسيًا، أو شخصية ذات نفوذ إعلامي واسع.
فوجودهم لا يضيف سيولة فقط، بل يبث رسائل ثقة قوية تؤثر على السوق بسرعة كبيرة.
كما لا يقتصر تأثير المستثمرين الكبار على آبل فقط. فعلى سبيل المثال، عانت شركة تسلا في سنواتها الأولى من صعوبات إثبات جدوى نموذجها الكهربائي، لكن دخول مستثمرين بارزين مثل صندوق التحوط التابع لرون بارون، وتصريحات إيجابية من شخصيات مؤثرة، ساهم في ارتفاع سهم تسلا من أقل من 20 دولارًا عام 2012 إلى أكثر من 1200 دولار في 2021.
المخاطر المرتبطة بدخول المستثمرين الكبار
نوع المخاطر |
وصف |
الانسياق الجماعي |
المستثمرون الصغار يتبعون المستثمر الكبير بدون تحليل |
مخاطر الوكالة |
المستثمر الكبير قد يوجه قرارات الشركة لمصلحته |
التركز المفرط |
اعتماد السوق على شركة واحدة يزيد تقلب السوق |
أما شركة شوبفاي الكندية، فقد شهدت تحولًا مشابهًا عندما استحوذ صندوق التحوّط الأمريكي “تايجر جلوبال” على حصة مؤثرة عام 2016، ما عزز ثقة المستثمرين في نموذج أعمالها، وارتفع السهم من نحو 30 دولارًا إلى أكثر من 150 دولارًا بحلول نوفمبر 2021.
وفي الصين، أنقذ دخول مستثمرين حكوميين عبر “صندوق إنقاذ” عام 2020 شركات السيارات الكهربائية من الإفلاس، فارتفعت أسهم شركة نيو في بورصة نيويورك من نحو 3 دولارات إلى نحو 55 دولارًا خلال عام واحد، بدعم من الثقة الكبيرة للمستثمرين الكبار والدعم الحكومي.
لكن تأثير المستثمر الكبير ليس دائمًا إيجابيًا. فقد يؤدي تحرك ضخم من طرف واحد إلى خلل في ديناميكيات السوق، مثل ظاهرة الانسياق الجماعي، حيث يتبع آلاف المستثمرين خطوات المستثمر البارز من دون تحليل مستقل، مما قد يخلق تضخمًا مصطنعًا في أسعار الأصول ثم انهيارًا لاحقًا، كما حدث في الأزمة المالية الكورية أواخر التسعينيات.
كما يمكن أن ينشأ ما يُعرف بـ”مخاطر الوكالة”، إذ يمنح حجم الحصة الكبيرة للمستثمر القدرة على توجيه قرارات الشركة لخدمة مصالحه على حساب صغار المساهمين، ما يزيد احتمالات المضاربات قصيرة المدى ويهدد الحوكمة المؤسسية.
حالات مثل شركة نفيديا في 2024، التي أصبحت مسؤولة عن نحو ثلث مكاسب مؤشر S&P 500 نتيجة استحواذ مئات المؤسسات على حصص ضخمة فيها، تُظهر مدى تقلب السوق عند تركيز الاستثمارات في شركات محددة.
دخول مستثمر رئيسي يشبه سيفًا ذا حدين: قد يكون محفزًا للنمو والثقة أو سببًا للفوضى والمضاربات العاطفية. فالأسواق المالية لا تتحرك دائمًا وفق الأساسيات وحدها، بل تتأثر بعوامل معنوية ونفسية مرتبطة بمن يدخل ويخرج من الأسهم.
سواء كان صندوقًا سياديًا، مليارديرًا شهيرًا، أو موجة شراء جماعية، فإن أثر هذا الدخول يمكن أن يغيّر قواعد اللعبة تمامًا، وهنا تكمن جاذبية وتحديات أسواق المال.