بين المشاريع الكبرى والمقاولات الصغيرة: أي نموذج استثماري يحتاجه الاقتصاد المغربي؟

وسط زخم الوعود الحكومية لتحقيق طفرة استثمارية غير مسبوقة، يبرز تحليل الخبير الاقتصادي والوزير السابق عبدالسلام الصديقي كجرس إنذار حول فجوة مقلقة بين الطموحات المعلنة والنتائج المحققة على أرض الواقع.
فبعد أكثر من ثلاث سنوات على إطلاق ميثاق الاستثمار الجديد، يبدو أن الأرقام المسجلة لا تواكب التطلعات، سواء على مستوى حجم الاستثمارات أو عدد مناصب الشغل المحدثة.
في مقاله التحليلي، ذكّر الصديقي بالتزامات الحكومة للفترة 2022-2026، والتي تشمل تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات الخاصة، وخلق 500 ألف منصب شغل، إلى جانب رفع حصة الاستثمار الخاص إلى 50% من إجمالي الاستثمارات الوطنية بحلول 2026، ثم إلى الثلثين في أفق 2035، وذلك تماشياً مع أهداف النموذج التنموي الجديد.
لكن الحصيلة الميدانية، وفق ما أورد الصديقي، تُظهر أن اللجنة الوطنية للاستثمار – التي عقدت أول اجتماع لها في 24 ماي 2023 وآخرها في 26 يونيو 2025 – لم تصادق سوى على 238 مشروعاً استثمارياً بقيمة إجمالية بلغت 377 مليار درهم، ما أسفر عن خلق حوالي 167 ألف منصب شغل مباشر وغير مباشر.
هذا يعني أن تكلفة خلق منصب شغل واحد تجاوزت 2.26 مليون درهم، في حين كانت التقديرات الرسمية تعتمد على معدل مليون درهم فقط.
وقد شملت المشاريع المصادق عليها قطاعات صناعية واستراتيجية واعدة، من قبيل التنقل الكهربائي، صناعة السيارات، الصناعات المعدنية، النسيج، والمواد الكيميائية، ضمن النظام الرئيسي لميثاق الاستثمار أو كجزء من المشاريع ذات الطابع الاستراتيجي.
أبرز معطيات الاجتماعات الثمانية للجنة الوطنية للاستثمار:
-
ماي 2023: المصادقة على 21 اتفاقية و6 مشاريع استراتيجية بـ131.5 مليار درهم، وإحداث حوالي 19,000 منصب.
-
يوليوز 2023: 19 مشروعاً بـ31.5 مليار درهم، وخلق 21,022 وظيفة.
-
يناير 2024: 42 مشروعاً بـ7.4 مليار درهم، و16,200 وظيفة.
-
فبراير 2024: 5 مشاريع بـ36.4 مليار درهم، و14,500 وظيفة.
-
يونيو 2024: 30 مشروعاً بـ20.5 مليار درهم، و24,600 وظيفة.
-
دجنبر 2024: 56 مشروعاً بـ134 مليار درهم، و28,000 وظيفة.
-
يناير 2025: 17 مشروعاً بـ4.3 مليار درهم، و5,500 وظيفة.
-
يونيو 2025: 47 مشروعاً بـ51 مليار درهم، و17,000 وظيفة، بينها 5 مشاريع استراتيجية جديدة.
رغم ضخامة هذه الأرقام، يرى الصديقي أن الفجوة واضحة بين الأهداف والنتائج، حيث لم يتم بلوغ سوى ثلث عدد الوظائف المعلنة، كما أن نسبة الإنجاز في الاستثمارات لا تتجاوز 70% من المستهدف.
وحذر من احتمال تعثر أو اختفاء بعض المشاريع التي تمت المصادقة عليها “على الورق”، في ظل غياب آجال دقيقة للتنفيذ.
كما نبه إلى محدودية دور المراكز الجهوية للاستثمار، التي تفتقر للشفافية في نشر المعطيات بشكل دوري، بخلاف اللجنة الوطنية، داعياً إلى تعزيز حكامتها وفتح المجال أمام تتبع دقيق وشفاف لحركية المشاريع.
وفي ختام تحليله، دعا الصديقي الحكومة إلى إعادة النظر في استراتيجيتها الاستثمارية، من خلال تحقيق توازن بين دعم المشاريع الكبرى من جهة، وتحفيز المقاولات الصغيرة والمتوسطة والصغيرة جداً من جهة أخرى، نظراً لقدرتها العالية على خلق مناصب شغل بتكلفة منخفضة نسبياً، لا تتعدى بضعة آلاف من الدراهم في بعض الحالات.
وشدد على ضرورة التطبيق الصارم لميثاق الاستثمار وتفعيل آلياته الرقابية والتنفيذية، كخطوة أساسية لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وتوزيع عادل للفرص والثروات.