اقتصاد المغربالأخبار

بين الطموح والواقع..أرقام رسمية تلقي بظلال من الشك على مسار الانتقال الطاقي في المغرب

بينما يرفع المغرب سقف طموحاته نحو مستقبل يعتمد على الطاقات النظيفة، تظهر معطيات رقمية حديثة صادرة عن وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة لتثير تساؤلات جوهرية حول مدى التوافق بين هذه الأهداف والواقع الحالي، بل وحتى القرارات الاستثمارية المتخذة.

تكشف الأرقام الرسمية عن ارتفاع مقلق في الاستهلاك الوطني للمنتجات البترولية، حيث بلغ 12.4 مليون طن في عام 2024، مسجلاً زيادة بنسبة 6% مقارنة بعام 2023.

و يأتي هذا الارتفاع على الرغم من إعلان الوزارة عن سيناريو “صفر انبعاثات” يهدف إلى خفض الطلب على هذه المنتجات بنسبة 41% بحلول عام 2030.

وما يزيد من علامات الاستفهام هو التخطيط لمشاريع ضخمة لتوسيع قدرات التخزين، حيث سيخصص 51% من هذه القدرات لتخزين الغازوال، مما يطرح تناقضًا واضحًا بين الأهداف المعلنة والقرارات الاستثمارية المتخذة.

وفي قراءة نقدية لهذه المعطيات، دعا الدكتور محمد بويطي، الخبير في التحول الطاقي وإزالة الكربون، في حوار مع أسبوعية “فينونس نيوز”، إلى ضرورة إجراء مراجعة شاملة للإطار التشريعي الحالي لضمان تحقيق انتقال طاقي حقيقي وعادل في المغرب.

أكد الخبير على غياب معطيات أساسية في الوثيقة الوزارية، مثل حجم مساهمة الطاقات المتجددة في المشاريع الجديدة، والتوقعات المتعلقة بخفض الانبعاثات، ومدى توافق الخطط مع أهداف الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة.

كما أشار إلى إغفال احتساب الانبعاثات غير المباشرة الناتجة عن قطاع البناء، الذي يمثل 23% من إجمالي الانبعاثات الوطنية، على الرغم من وجود مرجعيات وطنية للبناء المستدام منذ عام 2021.

من جهة أخرى، انتقد الدكتور بويطي توجه الاستراتيجية نحو تطوير بنية تحتية مكلفة للغاز الطبيعي المسال عبر موانئ الناظور والداخلة، دون تقديم أي تحليل يوضح مدى توافق هذه الاستثمارات مع أهداف إزالة الكربون.

ورغم أن الغاز يعتبر أقل تلوثًا مقارنة بالفحم أو النفط، إلا أنه لا يزال مصدرًا هامًا لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان.

حذر الخبير من أن التركيز على الغاز قد يؤدي إلى خلق “تبعية جديدة” في مجال الطاقة، مما يقوض التزامات المغرب في إطار خطة المناخ الوطنية 2030.

وأوضح أن القوانين المنظمة لقطاع الطاقة، وعلى رأسها القانون 67-15، تركز بشكل أساسي على الأمن الطاقي واستقرار سوق المحروقات، دون إيلاء اهتمام كافٍ للأثر البيئي أو التوافق مع الالتزامات المناخية الدولية، كما أنها لا تميز بين المحروقات التقليدية والبديلة.

لذلك، دعا الدكتور بويطي إلى ضرورة مراجعة القانون ليشمل مقتضيات مناخية واضحة، مؤكدًا أن ذلك سيعزز شفافية البلاد ويجذب الاستثمارات الأجنبية التي تولي اهتمامًا متزايدًا لوضوح السياسات المناخية.

وأشار إلى أن المغرب استقطب 2.1 مليار يورو في قطاع الطاقات المتجددة بعد تحسين آليات التبليغ المناخي في عام 2022، مما يدل على أهمية الشفافية في هذا المجال.

لتحقيق انتقال طاقي حقيقي وفعال، قدم الخبير عدة حلول عملية، تشمل: دمج معايير النجاعة الطاقية والانبعاثات في الصفقات العمومية، واعتماد سياسة تحفيز ضريبي للشركات العاملة في مجال الحلول منخفضة الكربون، وتحديد أهداف إلزامية لخفض الانبعاثات لكل قطاع، وتخصيص آليات تمويل لدعم إزالة الكربون في صفوف المقاولات الصغيرة والمتوسطة.

خلص الدكتور بويطي إلى أن الانتقال الطاقي في المغرب يعاني من وجود رؤيتين متناقضتين: إحداهما تدعم استمرار الاعتماد على الطاقات الأحفورية من خلال مشاريع ضخمة، والأخرى تسعى إلى تحقيق إزالة الكربون.

وفي ظل هذا التضارب، تبدو استراتيجية المغرب أقرب إلى تجميع مبادرات متفرقة منها إلى خطة شاملة ومتسقة.

أكد الخبير على أن نجاح الانتقال الطاقي يتطلب تحقيق شفافية أكبر حول الأثر المناخي للمشاريع المختلفة، بالإضافة إلى تنسيق محكم بين مختلف الأطر التشريعية ذات الصلة.

وشدد على أن الانتقال الطاقي يجب أن يُنظر إليه على أنه “مصلحة عامة، لا مجرد مجال للربح”، وهو ما يجب أن يكون له الأولوية في التخطيط لمستقبل الطاقة في المغرب.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى