بين الطموح النووي وتحديات المتجدّات: هل يستطيع المغرب دخول السباق الذري؟

تتسارع التحولات في قطاع الطاقة على المستوى العالمي، ما يثير الكثير من النقاش حول مستقبل الطاقة النووية.
وفي هذا السياق، يبرز “التقرير الدولي لوضع الصناعة النووية لعام 2024” الطموحات النووية للمغرب، مشيرًا إلى دورها في القارة الإفريقية، ويعرض التحديات التي تواجه هذه الصناعة بسبب نمو مصادر الطاقة المتجددة التي باتت تنافس بشكل جدي الطاقة النووية من حيث الجدوى الاقتصادية، السرعة في التنفيذ، والتأثير البيئي.
يُعد التقرير مرجعًا رئيسيًا للخبراء وصناع القرار في جميع أنحاء العالم، حيث شارك في إعداد التحليل 14 خبيرًا دوليًا من جامعات ومؤسسات بحثية مرموقة، ويغطي التقرير أكثر من 500 صفحة من التحليلات المعمقة حول واقع الطاقة النووية عالميًا.
وفقًا للتقرير، يعتبر المغرب من بين أربع دول إفريقية تمتلك شبكة كهرباء تزيد سعتها الإجمالية عن 10 غيغاواط، إلى جانب الجزائر، ليبيا، ونيجيريا.
هذه السعة تجعل المغرب مؤهلاً تقنيًا لاستضافة مفاعل نووي بقدرة 1 غيغاواط، وفقًا للمعايير الدولية التي تضمن عدم التأثير على استقرار الشبكة الوطنية للطاقة الكهربائية.
رغم هذا المؤهل، يشير التقرير إلى أن المشروع النووي في المغرب لا يزال في طور النظر، حيث لم يتم تسجيل أي تقدم ملموس نحو بناء منشأة نووية.
وقد وقع المغرب في أكتوبر 2017 مذكرة تفاهم مع شركة “روساتوم” الروسية للتعاون في “الاستخدامات السلمية للطاقة النووية”، لكن حتى لحظة إصدار التقرير في نونبر 2025، لم يتحقق أي تقدم ملموس في ترجمة هذه المذكرة إلى مشروع عملي.
وتُظهر هذه الحالة أن العديد من الدول الإفريقية، رغم توقيعها مذكرات تفاهم مع شركات دولية، لا تزال تواجه صعوبة في تنفيذ مشاريع نووية بسبب تحديات التمويل ونقص الكفاءات التقنية.
ومن جهة أخرى، يعترف التقرير بالتحديات الاقتصادية والتنموية التي قد تؤثر على جدوى الاستثمار في الطاقة النووية في المغرب، خاصة مع النمو المتسارع للطاقة المتجددة التي تتميز بتكلفتها المنخفضة وقدرتها على التنفيذ السريع. فقد سجلت الطاقة المتجددة نموًا قياسيًا بنسبة 14% في 2023، وفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، مما يجعل الطاقة النووية في وضع متأخر مقارنة مع الطاقات المتجددة.
ورغم هذه التحديات، يشير التقرير إلى أن تكنولوجيا المفاعلات الصغيرة النمطية (SMRs) قد تكون فرصة للمغرب، إذ تتميز هذه المفاعلات بقدرتها على التكيف مع شبكات الكهرباء ذات السعة المتوسطة أو المحدودة، كما أن تكلفتها أقل نسبياً من المفاعلات النووية التقليدية.
وفي هذا الصدد، بدأت دول مثل غانا في التفاوض على مشاريع SMR مع شركات أمريكية ويابانية، ما يثير تساؤلات حول قدرة المغرب على اللحاق بهذا التطور التكنولوجي واستغلال موقعه التقني الأفضل مقارنة بجيرانه.
ومع ذلك، يُحذر التقرير من التفاؤل المفرط، إذ يعاني السوق العالمي لبناء المفاعلات النووية من اختناقات كبيرة، حيث لا توجد سوى عدد قليل من الشركات القادرة على تصميم وبناء محطات نووية، وهذه الشركات تواجه تحديات مالية وتقنية ضخمة.
فشركة EDF الفرنسية على سبيل المثال تعاني من ديون ضخمة تتجاوز 60 مليار دولار، بينما شركة KEPCO الكورية تعاني من ديون تزيد عن 140 مليار دولار. كما تواجه الشركات الصينية صعوبات بسبب العقوبات الأمريكية، فيما تعاني شركة “روساتوم” الروسية من تأثير العقوبات الدولية بسبب الأزمة الأوكرانية، مما يجعل فرص الشراكة في هذا القطاع محدودة للغاية.
في النهاية، رغم الإمكانيات التي يتمتع بها المغرب في مجال الطاقة النووية، يظل المشروع النووي في مرحلة التفكير والتخطيط، وسط بيئة دولية معقدة ومتغيرة بسرعة.