بورصة الدار البيضاء تتحرر من قبضة الكبار وتستقطب عشرات الآلاف من المستثمرين

شهدت أسواق المال في المملكة المغربية تحولاً جذرياً يطلق عليه المراقبون “اقتصاد الثقة”.
فـ بورصة الدار البيضاء لم تعد مجرد منصة تداول مقتصرة على كبار المؤسسات و”النخبة المالية”، بل تحولت إلى فضاء استثماري شامل ومفتوح يجذب عشرات الآلاف من المستثمرين، سواء كانوا مغاربة أو أجانب.
هذا الزخم غير المسبوق يستمد قوته من الإيمان الراسخ بالإمكانات الهائلة للاقتصاد الوطني، والرغبة العارمة في المشاركة الفعالة في الفرص الاستثمارية الكبرى التي يولدها النمو المستدام للمملكة.
هذا التحول الدراماتيكي تجلى مؤخراً في الاكتتاب التاريخي لشركة “كاش بلَس”، الذي حقق نجاحاً مدوياً بتجميعه 750 مليون درهم.
والأهم من القيمة هو المشاركة القياسية التي بلغت 80,759 مشتركاً من 75 جنسية مختلفة، وهو ما يبعث برسالة واضحة عن إيمان شريحة واسعة من المواطنين بإمكانات الشركات المدرجة وقدرتها على تحقيق النمو.
لم يأتِ نجاح “كاش بلَس” من فراغ، بل هو امتداد لسلسلة من الاكتتابات المتميزة التي هزت أركان البورصة في الآونة الأخيرة. وتؤكد هذه الأرقام تنامي الوعي الاستثماري لدى الجمهور:
بنك CFG: جمع 600 مليون درهم، بينما تجاوز حجم طلبات الاكتتاب 21 مليار درهم.
“SGTM”: استقطب نحو 173,000 مكتتب فردي.
أكديطال: رفعت رأسمالها بمليار درهم وتمت تغطية الاكتتاب بـ 29 مرة!
مصرف المغرب: بيع حصة أسهم بمليار درهم وتغطية العملية بـ 18 مرة.
وتشير البيانات إلى أن مشاركة المستثمرين الأفراد تضاعفت خمس مرات خلال الربع الثاني من العام الجاري مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهو دليل قاطع على توسع “ثقافة البورصة” داخل المجتمع المغربي.
كما لا يمكن فصل هذا النشاط غير المسبوق في البورصة عن الطموح الاقتصادي للمملكة والمشاريع العملاقة المخطط لها. فالمغرب يستعد لتنفيذ استثمارات تفوق 100 مليار دولار بحلول نهاية العقد، لتكون بمثابة القاطرة التي تحفز جميع القطاعات الاقتصادية.
من أبرز هذه المحفزات:
استضافة كأس العالم 2030: التحضيرات المشتركة مع إسبانيا والبرتغال تتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية، بما في ذلك بناء الملاعب، شبكات النقل الحديثة، والفنادق.
البنية التحتية والبيئة: مشاريع تحلية مياه البحر، الطاقة المتجددة، وتطوير شبكات الطرق والسكك الحديدية عالية السرعة.
إعادة الإعمار: جهود واسعة لإعادة إعمار المناطق المتضررة من الزلازل، مما يضخ مزيداً من السيولة في الاقتصاد.
يرى المحللون أن المستثمرين الأفراد يتجهون بذكاء إلى السوق المالية للتحرك مبكراً والاستفادة من عوائد هذه المشاريع الهائلة قبل أن تحقق كامل نموها.
هذا التوسع في قاعدة المستثمرين، الذي يتيح للمواطن العادي فرصة الاستثمار بمبالغ صغيرة، يؤكد انفتاح السوق المالي أمام الجميع.
ويأتي هذا الانفتاح رغم وجود بعض التحفظات والأصوات التي تفضل أن تظل البورصة حكراً على ما يُطلق عليه “النخبة المالية”، وهي أصوات تبدو معزولة أمام هذا الزخم الشعبي المتزايد.
مع استمرار إدراج الشركات المغربية الناجحة في السوق، والتقدم في تنفيذ المشاريع الكبرى، تُشير التوقعات إلى أن بورصة الدار البيضاء مُقبلة على تسجيل مستويات قياسية جديدة من النشاط.
ويبقى الهدف الطموح لعام 2035 هو إدراج أكثر من 300 شركة، وهو ما سيعزز بلا شك مكانة المغرب كـ “وجهة استثمارية واعدة” بامتياز على المستوى الإقليمي والدولي.



