بنيامين جراهام…الأب الروحي للاستثمار القيمي وأثره الدائم في عالم المال

لطالما شكل المستثمرون الناجحون نماذج يُحتذى بها في عالم المال، وبرز من بينهم “بنيامين جراهام” كأحد أعمدة الفكر الاستثماري، الذي لا تزال أفكاره تُشكل مرجعًا أساسيًا في أسواق المال حتى اليوم.
وقد اعتمد جراهام على فلسفة استثمارية قائمة على التحليل العميق للشركات، والتركيز على القيمة الجوهرية للسهم، مما جعله رائدًا في مجال “الاستثمار القيمي”.
كان جراهام أستاذًا في جامعة كولومبيا، وتتلمذ على يديه الملياردير الشهير “وارن بافت”، الذي وصف نفسه ذات مرة بأنه “85% جراهام و15% فيشر”، في إشارة إلى تأثره أيضًا بالمستثمر “فيليب فيشر”.
وقد عمل بافت كمحلل لدى شركة “جراهام-نيومان” لمدة عامين، وهو ما شكّل حجر الأساس في مسيرته الاستثمارية.
اشتهر جراهام بنهجه القائم على اقتناص الشركات المقوّمة بأقل من قيمتها الحقيقية، والتي تمتاز بميزانيات متينة، ديون محدودة، وهوامش ربح عالية، وتدفقات نقدية صحية.
وقد تبنى في تحليلاته مبدأ “هامش الأمان”، الذي يدعو إلى شراء الأسهم حين تكون أسعارها أقل بكثير من قيمتها الجوهرية، لتقليل المخاطر المرتبطة بأخطاء التقدير أو تقلبات السوق.
ألف جراهام كتابين يُعتبران من أعمدة الأدب المالي: “تحليل الأوراق المالية” (1934) و*”المستثمر الذكي”* (1949)، واللذان ما زالا يُدرسان ويُوصى بهما للمستثمرين الجدد والمحترفين على حد سواء.
كما ألّف كتاب “تفسير البيانات المالية” (1937)، الذي وفّر دليلًا عمليًا لفهم النسب المالية وتحليل البيانات بهدف اكتشاف الفرص الاستثمارية الحقيقية.
من المبادئ الأساسية التي طرحها جراهام استخدام النسب المالية كمؤشرات لاتخاذ قرارات استثمارية مدروسة. على سبيل المثال، يُعتبر هامش الربح — المحسوب بقسمة الدخل التشغيلي على الإيرادات — مؤشرًا على كفاءة التشغيل وقدرة الشركة على تحقيق عوائد مستدامة.
كما شدد على أهمية تتبّع رأس المال العامل عبر السنوات لرصد التغيرات في السلامة المالية للشركة، إلى جانب التحذير من الاقتراض المفرط، الذي يظهر من خلال نمو بند “أوراق الدفع” بمعدل أسرع من نمو المبيعات.
في عام 1965، استخدم وارن بافت المبادئ التي تعلمها من جراهام لتأسيس “بيركشاير هاثاواي”، التي أصبحت لاحقًا واحدة من أنجح شركات الاستثمار في التاريخ، وأداة مثالية لتطبيق فلسفة الاستثمار القيمي على أرض الواقع.
بنيامين جراهام لم يكن مجرد محلل مالي أو مؤلف، بل كان حجر الزاوية في بناء نهج استثماري عقلاني طويل الأمد. ورغم مرور عقود على طرح أفكاره، فإنها لا تزال تُشكّل أساسًا لا غنى عنه لكل من يسعى لفهم الأسواق وتحقيق النجاح فيها.