بطاقة الائتمان…بين حلم الرفاهية وفخ الديون

لم يتخيل “مايكل باركر” أن قطعة صغيرة من البلاستيك يمكن أن تقلب حياته رأسًا على عقب. فحين تسلم بطاقته الائتمانية لأول مرة، شعر وكأنه فتح بابًا لعالم من الرفاهية والحرية المالية.
اللمعة الذهبية للبطاقة والحد الائتماني الكبير جعلاه يعتقد أن كل رغباته أصبحت في متناول يده. خلال أسبوع واحد، اقتنى ساعة أحلامه، حجز تذاكر سفر لمدن طالما حلم بزيارتها، وملأ عربات التسوق بما لم يستطع دفعه من قبل.
لكن سرعان ما تبددت البهجة، وحلّت محلها القلق والندم. بدأت مكالمات التحصيل تتكرر، وبدأت الفواتير تتكدس كما لو كانت جدارًا يسد الطريق أمامه.
ومع كل محاولة لسداد الدين، كانت الفوائد تتضاعف أسرع من جهوده، ليصبح النوم صعبًا، وتتحول الابتسامة إلى عبوس وحزن.
قصة “باركر” ليست استثناءً، بل هي انعكاس لتجربة ملايين الأشخاص حول العالم في سوق بطاقات الائتمان، الذي بلغ حجمه 559 مليار دولار في 2023، ومن المتوقع أن يتجاوز 1.14 تريليون دولار بحلول 2033، مع معدل نمو سنوي يقارب 7.5%.
البطاقات التي وُجدت لتسهيل الحياة اليومية وتحقيق المرونة المالية، أصبحت في كثير من الحالات مصدرًا للديون والقلق النفسي. ارتفاع أرصدة البطاقات ونسب التعثر في الأسواق المختلفة، خاصة في ظل التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، يجعلها فخًا يبتلع المدخرات ويثقل كاهل المستخدمين.
يعاني الكثير من حاملي البطاقات من حلقة مفرغة: الحد الأدنى للسداد يحافظ على الأرصدة مرتفعة، والمصاريف غير المنتظمة تزيد من الاعتماد على البطاقات. ارتفاع أسعار الفائدة يجعل كل دين إضافي ينمو بوتيرة أسرع، مما يصعب تقليص المديونية الأصلية.
في الولايات المتحدة، وصل معدل التعثر في الديون الأسرية إلى 4.4% في الربع الثاني من 2025، فيما ارتفعت أسعار الفائدة على البطاقات إلى نحو 23.99%، وهو مستوى قياسي يزيد من تكلفة الدين.
في الاتحاد الأوروبي، تتراوح الفوائد حول 20% مع تفاوت بين الدول الأعضاء، ما يعكس الضغوط المالية المتزايدة على المستهلكين.
الضغوط المالية لا تؤثر على المحفظة فقط، بل تمتد لتطال الصحة النفسية. الأرق، التوتر، الشعور بالندم، وفقدان القدرة على التخطيط هي نتائج شائعة للوقوع في فخ الديون.
الدراسات تربط بين الديون غير المضمونة ومشكلات مثل القلق والاكتئاب، كما أن الأفراد الذين يعانون من مشاكل نفسية أكثر عرضة للوقوع في ديون صعبة بثلاثة أضعاف ونصف، مع ارتفاع خطر الانتحار.
يمكن للأفراد تبني استراتيجيات عملية للحد من آثار ديون البطاقات، مثل:
-
دفع مبالغ تفوق الحد الأدنى بعد استلام الراتب مباشرة.
-
اتباع استراتيجية “الانهيار الجليدي” لسداد البطاقات ذات أعلى فائدة أولًا، أو “كرة الثلج” لسداد الأصغر أولًا لبناء حافز نفسي.
-
التفاوض مع البنوك لتخفيض الفوائد أو إعادة هيكلة الدين مؤقتًا.
-
اللجوء لإعادة التمويل عبر قروض منخفضة الفائدة أو بطاقات تحويل الرصيد، مع الامتناع عن استخدام البطاقات القديمة.
-
الاهتمام بالصحة النفسية عبر النوم المنتظم، والدعم الاجتماعي، والاستشارة المتخصصة.
بطاقات الائتمان أداة ذات حدين: تمنح لحظة من الحرية المالية، لكنها قد تتحول إلى عبء خانق إذا لم تُستخدم بحكمة. الحرية الحقيقية لا تأتي من بطاقة لامعة، بل من إدارة واعية للموارد، ووضع أولويات واضحة، وضبط الإنفاق لتجنب الديون التي تثقل كاهل الحاضر وتهدد مستقبل الفرد.