الاقتصادية

اليوان في مواجهة الدولار.. الصين ترسم خارطة طريق للسيطرة الاقتصادية

مع تصاعد تداعيات الأزمة المالية العالمية في 2008-2009، وجدت الصين نفسها أمام حقيقة مزعجة: سياسة التيسير النقدي الأمريكية، التي أطلقها الاحتياطي الفيدرالي لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي، شكلت تهديدًا مباشرًا لأصولها الخارجية التي تجاوزت 1.9 تريليون دولار.

هذه المخاوف دفعت بكين إلى التحرك، ليس لمواجهة الولايات المتحدة فقط، بل لإعادة تشكيل خريطة القوة النقدية العالمية تدريجيًا.

في يوليو 2009، أطلق بنك الشعب الصيني مشروعًا تجريبيًا لتسوية التجارة العابرة للحدود باليوان، في خطوة هدفها الحد من الاعتماد على الدولار. وبعد 16 عامًا، يبدو أن الخطة أثمرت نتائج ملموسة، إذ بلغت نسبة التجارة الصينية المسددة باليوان نحو 30% من إجمالي حجم التجارة البالغ 6.2 تريليون دولار، مقابل 20% في 2022.

وإذا أُضيفت الاستثمارات الأجنبية وشراء السندات، يرتفع الرقم إلى 53%، متجاوزًا لأول مرة المدفوعات بالدولار في 2023.

رغم هذا النمو، يبقى الدولار متفوقًا بشكل واضح، حيث يهيمن على 82% من تمويل التجارة الدولية، مقابل 5.8% فقط لليوان في ذروته، كما لا تتجاوز حصة اليوان في احتياطيات العملات العالمية 2.4% مقارنة بـ 57% للدولار و20% لليورو. ومع ذلك، تبني الصين استراتيجيات حذرة لتقليص نفوذ الدولار تدريجيًا، مع الحفاظ على استقرار اقتصادها.

Why the Chinese yuan is in rebound mode versus the U.S. dollar - MarketWatch

وشملت هذه الاستراتيجيات تقليل وزن الدولار في سلة عملات تداولها الأجنبي إلى 18.9% مقابل 17.9% لليورو و8.6% للين في 2025، وتعزيز استخدام اليوان في أسواق النفط والسلع، حيث جرى تسوية خُمس تجارة النفط العالمية بعملات غير الدولار، وتم تنفيذ أول عملية دفع باليوان الرقمي عبر الحدود.

تلعب إفريقيا دورًا حاسمًا في خطة الصين، إذ تمتلك القارة نحو 30% من المعادن الحيوية في العالم، بما في ذلك الكوبالت والبلاتين والنحاس والليثيوم. ومن خلال مبادرة الحزام والطريق واستثمارات كبيرة في قطاع التعدين، عززت الصين نفوذها الاستراتيجي، إذ ارتفع الاستثمار الصيني في التعدين بإفريقيا بنسبة 400% في النصف الأول من 2025 مقارنة بالعام السابق.

كما بدأت بعض البنوك المركزية الإفريقية في تقليل اعتمادها على الدولار، من خلال إعادة احتياطيات الذهب إلى وطنها وزيادة حجمها، في خطوة تعكس التحول التدريجي نحو تنويع العملات والابتعاد عن الهيمنة الأمريكية.

المحللون يشيرون إلى أن استبدال الدولار باليوان ليس أمرًا وشيكًا، لكنه أصبح احتمالًا متناميًا مع سيطرة الصين على الموارد الحيوية والنفوذ التجاري العالمي. ارتفاع أسعار الذهب والفضة، وانخفاض أداء الدولار بنسبة 8% هذا العام، يعكس تراجع الثقة تدريجيًا بالعملة الأمريكية، في وقت تستعد فيه الصين لتعزيز مكانة اليوان كخليفة محتمل ومستقر في الأسواق الدولية.

باختصار، لا يسعى اليوان إلى استبدال الدولار فجأة، بل إلى تثبيت نفسه كخيار دولي موثوق للتجارة والاستثمار، مستفيدًا من النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي المتنامي للصين، ومع كل خطوة، يقترب العالم من اقتصاد أقل اعتمادًا على الورقة الخضراء الأمريكية، وفتح صفحة جديدة من المنافسة النقدية العالمية.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى