النمو الأخضر: مسار مستدام لتحقيق التوازن بين التنمية والبيئة

يفتح مفهوم النمو الأخضر آفاقًا واسعة نحو تحقيق التوازن بين التطور الاقتصادي والتكنولوجي من جهة، والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية من جهة أخرى، مما يجعله خيارًا استراتيجيًا لمواجهة التحديات المناخية المستقبلية.
هذا التوجه يتضمن تبني نماذج اقتصادية مستدامة تركز على الابتكار التكنولوجي والاستثمار في الطاقة المتجددة.
في هذا السياق، أعلن عدد من الدول عن التزامها بتحقيق أهداف النمو الأخضر، ومن بينها المجر التي تسعى لتكون أول دولة في الاتحاد الأوروبي تحقق اقتصادًا خاليًا من الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2050.
فهل يساهم برنامج “دروب بلس” (DROP Plus) الذي يعزز التحول الرقمي في المجر في دفع عجلة تحقيق هذا الهدف، أم أنه يعيق تقدم البلاد نحو تحقيق الحياد الكربوني؟
تعتبر آثار الأنشطة البشرية على كوكب الأرض أحد الأسباب الرئيسية وراء الارتفاع الحاد في درجات الحرارة. ووسط هذا التحدي المناخي، تبرز أهمية التنمية المستدامة في إيجاد حلول للتخفيف من آثار التغير المناخي والتكيف معه.
ولكن، كيف يمكن تحقيق نمو اقتصادي مستدام دون التأثير سلبًا على كوكب الأرض؟
تُظهر الأبحاث الاقتصادية أن النمو التقليدي غالبًا ما يسبب تدهورًا بيئيًا، ما يهدد تحقيق التنمية المستدامة.
ومع ذلك، يشهد العالم تحولًا نحو نماذج اقتصادية جديدة تعتمد على الاستدامة، مثل الاستثمار في الطاقة المتجددة والتكنولوجيات النظيفة.
في السبعينيات، قدم الاقتصادي ويليام نوردهاوس فكرة أن النمو الاقتصادي المستدام ممكن دون تدمير الموارد الطبيعية، من خلال التقدم التكنولوجي الذي يساهم في تطوير تقنيات إنتاج أكثر كفاءة واستخدام مصادر طاقة متجددة.
وقد أشار إلى “منحنى كوزنتس البيئي” الذي يوضح العلاقة بين النمو الاقتصادي والتدهور البيئي، حيث يتدهور البيئة في البداية مع زيادة النمو الاقتصادي، لكنه يبدأ في التحسن بعد أن يصل الاقتصاد إلى مستوى معين من التطور.
وفي بداية القرن الواحد والعشرين، قدم نيكولاس ستيرن رؤية للنمو الأخضر، داعيًا إلى تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.
وأكد أن تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 3% سنويًا هو خطوة أساسية للحد من ارتفاع درجات الحرارة وحماية كوكب الأرض.
في المقابل، ظهرت فكرة “النمو السلبي”، الذي يدعو إلى تقليص الاستهلاك والإنتاج العالمي بشكل جذري، ويتطلب خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 7% سنويًا للعودة إلى مستويات الانبعاثات لعام 2000 بحلول منتصف القرن.
وعلى الرغم من الطرح المتطرف لهذا النمو، إلا أنه لا يزال يثير النقاش حول كيفية تحقيق النمو المستدام.
تبنت المجر في عام 2020 قانون حماية المناخ الذي يهدف إلى تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، لتكون بذلك أول دولة في الاتحاد الأوروبي تلتزم رسميًا بهذا الهدف.
كما أطلقت في عام 2021 استراتيجية وطنية للتنمية النظيفة، تحدد ثلاث مسارات محتملة لتطور انبعاثات الغازات الدفيئة حتى عام 2050:
سيناريو الأعمال كالمعتاد: يتوقع استمرارية السياسات الحالية دون تغيير.
سيناريو التأجيل: يتصور تأجيل الإجراءات الطموحة لمكافحة التغير المناخي حتى بعد عام 2045.
سيناريو الإسراع: يهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050 من خلال تطبيق تدابير جذرية لخفض الانبعاثات.
برنامج “دروب بلس” هو مبادرة تهدف إلى تعزيز الرقمنة في المجر، ودعم البحث والابتكار من خلال تعزيز كفاءة القطاعين العام والخاص، وتلبية المتطلبات المتزايدة في مجالات الأمن السيبراني والاستدامة.
يُتوقع أن يسهم هذا البرنامج في دفع البلاد نحو تحقيق أهدافها المناخية من خلال التحول الرقمي، الذي يمكن أن يساعد في تحسين الكفاءة وتقليل الانبعاثات.
يمثل النمو الأخضر نهجًا وسطًا بين التفاؤل التكنولوجي والنمو السلبي، حيث يسعى إلى تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال الابتكار الأخضر، مع الحفاظ على البيئة.
وفي ضوء التزام المجر بتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، تبرز أهمية برامج مثل “دروب بلس” في تعزيز التحول الرقمي، الذي يمكن أن يكون عاملًا محوريًا في تحقيق هذا الهدف الطموح.
4 محاور ذات أولوية برنامج لدروب بلس |
|
الحوكمة الذكية للمجر |
– تستهدف المبادرة الذكية تحقيق هدفين رئيسيين: الأول هو دعم الابتكار وريادة الأعمال من خلال توفير بيئة محفزة للنمو، والثاني هو تحسين كفاءة الخدمات الحكومية وتقديم تجربة رقمية متميزة للمواطنين. – ولتحقيق هذين الهدفين، ستعمل المبادرة على تعزيز التحول الرقمي للمؤسسات الحكومية والخاصة، وتبسيط الإجراءات، وتشجيع العمل عن بعد. |
التحوّل التقني الأخضر |
– يركز هذا المحور على التطورات المستقبلية التي تهدف إلى تحقيق الاستدامة البيئية. – وتشمل هذه التطورات مبادرات التوعية والتدريب في مختلف القطاعات والمجالات، مع التركيز على تحسين كفاءة الطاقة واستخدام مصادر الطاقة المتجددة. – وفي سياق مكافحة تغير المناخ، تُعد جهود الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة في قطاع الطاقة والانتقال نحو اقتصاد دائري من أهم الأولويات. |
المجر متصلة |
– يركز المشروع على تطوير البنية التحتية للشبكات، وهذا يعني بناء شبكات قادرة على نقل البيانات بسرعات عالية جدًا، مع توسيع نطاق التغطية سواء بالكابلات أو بالواي فاي. – والهدف من هذه التطورات هو تهيئة بيئة اقتصادية ونقل أكثر ملاءمة للتغيرات المناخية. |
المواطنة الرقمية |
– يركز هذا المحور على تحسين جودة التعليم الرقمي وتطوير الكفاءات الرقمية، بالإضافة إلى تطوير تكنولوجيا المعلومات في قطاع الصحة. – وعلى الرغم من أن هذه الجوانب ليست مرتبطة بشكل مباشر بالتغير المناخي، إلا أنها تساهم في خلق بيئة رقمية أكثر كفاءة، مما قد يدعم بشكل غير مباشر جهود مكافحة التغير المناخي، لا سيما من خلال تبني حلول مبتكرة في مجال الصحة مثل الطب عن بعد التي تحد من الحاجة إلى التنقل. |