الاقتصادية

النفط في مواجهة الصراعات.. هدوء غير متوقع وسط العواصف الجيوسياسية

بينما كانت شاشات الأخبار العالمية تفيض بصور الصراعات العسكرية والعقوبات الاقتصادية والتهديدات الدبلوماسية في عام 2025، بدا سوق النفط وكأنه يعيش في عالمٍ آخر، هادئًا ومتماسكًا رغم كل الصدمات.

هذا التناقض بين عالم سياسي محتدم وسوق نفط مستقر يطرح تساؤلات جوهرية حول ما إذا كانت قواعد اللعبة تغيرت بعد عقود شهدت فيها الأسعار تأثرًا مباشرًا بكل اضطراب دولي.

في 12 يونيو، شهدت الأسواق لحظة توتر حقيقية حين قصفت إسرائيل مواقع إيرانية استراتيجية، وتبعها هجوم أمريكي استهدف التحصينات النووية.

كان المتوقع أن تقفز الأسعار إلى مستويات قياسية بفعل تهديد إغلاق مضيق هرمز، إلا أن الأسواق تصرفت بهدوء مدهش، دون القفزات التاريخية التي اعتاد عليها المتداولون، في ظاهرة اعتبرها الخبراء مؤشرًا على مرونة السوق الجديدة.

رغم ارتفاع مؤشر التقلبات إلى أعلى مستوياته منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، اكتفى خام برنت بالارتفاع من 69 دولارًا إلى 78.85 دولارًا للأوقية قبل أن يعود سريعًا لمستوى ما قبل الصراع مع إعلان الهدنة، مما يعكس تلاشي “علاوة المخاطر” التي كانت تمنح البرميل سعراً إضافياً لمجرد الخوف من اضطرابات محتملة.

تتصدر الولايات المتحدة الإنتاج العالمي بمعدل 13.84 مليون برميل يوميًا، مدعومة بنمو حوض بيرميان، بينما يضاف إليها منتجون كبار خارج أوبك مثل البرازيل وغيانا وكندا والأرجنتين، ما يشكل وسادة أمان تمتص الصدمات الجيوسياسية وتحد من تقلبات الأسعار.

استجابة أسعار النفط للصدمات الجيوسياسية (2025)

الحدث الجيوسياسي

التوقيت

رد فعل السوق (خام برنت)

النتيجة والتعليق

الصراع الإيراني الإسرائيلي

12 – 24 يونيو

قفزة مؤقتة إلى 78.85 دولار من 69 دولاراً.

الأسعار عادت إلى مستويات ما قبل الحرب خلال 12 يومًا فقط، وتجاوزت 80 دولاراً في ذروتها خلال الأزمة، لكنها ظلت بعيدة عن المستويات الثلاثية.

عملية “مطرقة منتصف الليل”

22 يونيو

تذبذب محدود

السوق لم يُسعّر الحدث كتهديد دائم للإمدادات رغم استهداف منشآت نووية.

ضربات أوكرانية للمصافي الروسية

أبريل – ديسمبر

استقرار مع ميل للانخفاض

تراجع طاقة التكرير دفع روسيا لزيادة تصدير الخام غير المكرر، ما زاد المعروض العالمي.

حصار فنزويلا (إدارة ترامب)

ديسمبر

ارتفاع لحظي بنسبة 2%

فشل السعر في الثبات فوق 57 دولاراً للخام الأمريكي بسبب “أساطيل الظل”.

عقوبات “روسنفت” و”لوك أويل”

أكتوبر

ارتفاع قصير الأجل

المتداولون استغلوا الارتفاع كفرصة للبيع.

مع ارتفاع المخزونات العالمية لأعلى مستوياتها منذ أربع سنوات، أصبح المشاركون في السوق يقللون من شأن المخاطر السياسية. النفط الخاضع للعقوبات يجد طريقه إلى الأسواق عبر “أساطيل الظل” والبدائل، مما يزيد من تخمة المعروض بدلًا من تقليصه.

هذه المرونة تشير إلى أن العقوبات الاقتصادية لم تعد فعّالة كما كانت، وأن السوق أصبح أكثر قدرة على التعامل مع الضغوط الدولية.

تواصل الأسواق الناشئة بناء شبكات تعاون بديلة، مثل شراكات الطاقة بين الهند وروسيا، أو الاتفاقيات الاستراتيجية بين الصين ودول الشرق الأوسط، مما يتيح استمرار التجارة النفطية بعيدًا عن التأثيرات الغربية، ويعيد رسم خريطة القوة في قطاع الطاقة العالمي.

تعتمد الأسواق حاليًا على تقييمات دقيقة للمخاطر، تأخذ بعين الاعتبار تنوع مصادر العرض، واحتياطيات الدول الكبرى، وتطورات الطاقة المتجددة، والعوامل المالية المرتبطة بالأسواق النفطية.

هذه الأدوات ساهمت في تعزيز قدرة السوق على التكيف مع الأحداث السياسية، وتخفيف تأثيرها على الأسعار.

رغم الاستقرار النسبي الحالي، يبقى احتمال عودة التقلبات قائمًا إذا اندلعت أزمة جيوسياسية تؤثر على الإمدادات. وفي المستقبل، قد تصبح الجيوسياسية المتعلقة بالطاقة المتجددة والمعادن الحيوية مثل الليثيوم والكوبالت، إلى جانب الطلب المتزايد على مصادر الطاقة النظيفة، العوامل الرئيسة التي تحدد مسار السوق العالمية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى